قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف. هذا معنى كلامه ، فقد عدّ هذا اللقب مخصوصا باتباع السنة ومباينة البدعة ، وفي ذلك ما يدل على خلاف ما يعتقده الجهال ومن لا عبرة به من المدعين للعلم.
وفي غرضي إن فسح الله في المدة وأعانني بفضله ويسر لي الأسباب أن ألخص في طريقة القوم أنموذجا يستدل به على صحتها وجريانها على الطريقة المثلى ، وأنه إنما داخلتها المفاسد وتطرقت إليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح ، وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي ولا فهم لمقاصد أهلها؟ وتقولوا عليهم ما لم يقولوا به ؛ حتى صارت في هذا الزمان الأخير كأنها شريعة أخرى غير ما أتى بها محمد صلىاللهعليهوسلم. وأعظم من ذلك أنهم يتساهلون في اتباع السنة ، ويرون اختراع العبادات طريقا للتعبد صحيحا ، وطريقة القوم بريئة من هذا الخباط بحمد الله.
فقد قال الفضيل بن عياض : من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة.
وقيل لإبراهيم بن أدهم : إن الله يقول في كتابه : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (١) ، ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا! فقال : ماتت قلوبكم في عشرة أشياء : أولها عرفتم الله فلم تؤدوا حقه ، والثاني : قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به ، والثالث : ادعيتم حب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتركتم سنّته ، والرابع : ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه ، والخامس : قلتم نحب الجنة وما تعملون لها إلى آخر الحكاية.
وقال ذو النون المصري : من علامة حب الله متابعة حبيب الله صلىاللهعليهوسلم في أخلاقه وأفعاله وأمره وسنته.
وقال : إنما دخل الفساد على الخلق من ستة أشياء ، الأول : ضعف النية بعمل الآخرة ، والثاني : صارت أبدانهم مهيئة لشهواتهم ، والثالث : غلبهم طول الأمل مع قصر الأجل ، والرابع : آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله ، والخامس : اتبعوا أهواءهم ونبذوا سنة نبيهم صلىاللهعليهوسلم ، والسادس : جعلوا زلات السلف حجة لأنفسهم ودفنوا أكثر مناقبهم.
__________________
(١) سورة : غافر ، الآية : ٦٠.