ـ بعد قوله ـ «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم» الحديث.
وإذا ثبت في بعضهم هذا لأجل بدعة فكل مبتدع يخاف عليه مثل من ذكره.
وأما ثانيا : فإن كان المبتدع لا يقبل منه عمل ، إما أن يراد أنه لا يقبل له بإطلاق على أي وجه وقع من وفاق سنّة أو خلافها ، وإما أن يراد أنه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة دون ما لم يبتدع فيه.
فأما الأول : فيمكن على أحد أوجه ثلاثة :
الأول : أن يكون على ظاهره من أن كل مبتدع أي بدعة كانت ، فأعماله لا تقبل معها ـ داخلتها تلك البدعة أم لا. ويشير إليه حديث ابن عمر المذكور آنفا. ويدل عليه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه خطب الناس وعليه سيف فيه صحيفة معلقة ، فقال : والله ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة ، فنشرها فإذا فيها ـ أسنان الإبل ، وإذا فيها : «المدينة حرم من عير إلى كدا ، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» (١). وذلك على رأي من فسر الصرف والعدل بالفريضة والنافلة ، وهذا شديد جدا على أهل الإحداث في الدين.
الثاني : أن تكون بدعته أصلا يتفرع عليه سائر الأعمال ، كما إذا ذهب إلى إنكار العمل بخبر الواحد بإطلاق ، فإن عامة التكليف مبني عليه ، لأن الأمر إنما يرد على المكلف من كتاب الله أو من سنة رسوله ، وما تفرع منهما راجع إليهما ، فإن كان واردا من السنة فمعظم نقل السنة بالآحاد ، بل قد أعوز أن يوجد حديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم متواترا ، وإن كان واردا من الكتاب فإنما تبينه السنّة فكل ما لم يبين في القرآن فلا بد لمطرح نقل الآحاد أن يستعمل رأيه وهو الابتداع بعينه ، فيكون فرع ينبني على ذلك بدعة لا يقبل منه شيء ، كما في الصحيح من قوله عليهالسلام : «كل عمل ليس عليه أمرنا
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٥٤ ، الحاشية : ٣.