وعن بعض السلف يرفعه : «لا يحدث رجل في الإسلام بدعة إلا ترك من السنة ما هو خير منها».
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة ، حتى تحيا البدع وتموت السنن.
وأما أن صاحبها ملعون على لسان الشريعة ، فلقوله عليه الصلاة والسلام : «من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (١).
وعد من الإحداث ، الاستنان بسنة سوء لم تكن.
وهذه اللعنة قد اشترك فيها صاحب البدعة مع من كفر بعد إيمانه ، وقد شهد أن بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم حق لا شك فيها ، وجاءه الهدى من الله والبيان الشافي ، وذلك قول الله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌ) إلى قوله : (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٢) ، إلى آخرها.
واشترك أيضا مع من كتم ما أنزل الله وبيّنه في كتابه ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٣).
فتأملوا المعنى الذي اشترك المبتدع فيه مع هاتين الفرقتين ، وذلك مضادة الشارع فيما شرع ، لأن الله تعالى أنزل الكتاب وشرع الشرائع ، وبيّن الطريق للسالكين على غاية ما يمكن من البيان ، فضادّها الكافر بأن جحدها جحدا ، وضادها كاتمها بنفس الكتمان ، لأن الشارع يبين ويظهر ، وهذا يكتم ويخفي ، وضادها المبتدع بأن وضع الوسيلة لترك ما بيّن وإخفاء ما أظهر ، لأن من شأنه أن يدخل الإشكال في الواضحات ، من أجل اتباع المتشابهات ، لأن الواضحات تهدم له ما بنى عليه من المتشابهات ، فهو آخذ في إدخال
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٩٠ ، الحاشية : ٥.
(٢) سورة : آل عمران ، الآيات : ٨٦ ـ ٨٧.
(٣) سورة : البقرة ، الآية : ١٥٩.