إحداهما : التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس ، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره ، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنّة على سنتهم.
والثانية : إنه إذا وقّر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء.
وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن ، وهو هدم الإسلام بعينه.
وعلى ذلك دل حديث معاذ : «فيوشك قائل أن يقول : ما لهم لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتّبعي حتى أبتدع لهم غيره ، وإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة» (١) ، فهو يقتضي أن السنن تموت إذا أحييت البدع ، وإذا ماتت انهدم الإسلام.
وعلى ذلك دلّ النقل على السلف زيادة إلى صحة الاعتبار ، لأن الباطل إذا عمل به لزم ترك العمل بالحق كما في العكس ، لأن المحل الواحد لا يشتغل إلا بأحد الضدين.
وأيضا فمن السنة الثابتة ترك البدع ، فمن عمل ببدعة واحدة فقد ترك تلك السنة.
فمما جاء من ذلك ما تقدم ذكره عن حذيفة رضي الله عنه أنه أخذ حجرين فوضع أحدهما على الآخر ثم قال لأصحابه : هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟ قالوا : يا أبا عبد الله! ما نرى بينهما إلّا قليلا ، قال : والذي نفسي بيده لتظهرن البدع حتى لا يرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور ، والله لتفشونّ البدع حتى إذا ترك منها شيء قالوا : تركت السنّة. وله أثر آخر قد تقدم.
وعن أبي إدريس الخولاني أنه كان يقول : ما أحدثت أمة في دينها بدعة إلّا رفع الله بها عنهم سنته.
وعن حسان بن عطية قال : ما أحدث قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لم يعدها إليهم إلى يوم القيامة.
__________________
(١) أخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : لزوم السنة (الحديث : ٤٦١١).