الغفران بتوسيط صفاته العليا في هذا الأمر.
الدليل الثاني :
انحصار الشفاعة بالله تعالى ، بدعوى أنّ الآيات القرآنية حصرتها به سبحانه كما في قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٤) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (الزمر / ٤٤ ـ ٤٥).
والجواب :
١ ـ إنّ التدبّر في الآية المباركة يتضح لديه أنّ هدف الآية هو نفي الشفاعة من الأوثان التي كان يعبدها الجاهلون ، وليس الهدف منها نفي الشفاعة من الشفعاء الصالحين ، لذا فهي بصدد تقريعهم وتوبيخهم حيث يعبدون أحجارا بحجة أنها تقربهم نحوه تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (يونس / ١٩).
فقوله تعالى في ذيل الآية : (قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ).
ما هو إلّا ردّ عليهم بالمناقشة في إطلاق كلامهم ، فإنّ من البديهي أنّ الشفاعة تتوقف على علم في الشفيع يعلم به ما يريد ، وممن يريد ولمن يريد ، فلا معنى لشفاعة الجماد الذي لا شعور له ، وكذا تتوقف على أن يملك الشفيع الشفاعة ويكون له حق أن يشفع ولا ملك لغير الله إلّا أن يملّكه الله شيئا ويأذن له في التصرف فيه ، فقولهم بشفاعة أوليائهم مطلقا الشامل لما لا يملكونه ولا علم لهم بإذنه تعالى لهم فيها تخرّص.
فالاستفهام في (أَوَلَوْ كانُوا ...) للإنكار ، والمعنى قل لهم : هل تتخذونهم شفعاء لكم ولو كانوا لا يملكون من عند أنفسهم شيئا كالملائكة ولا يعقلون شيئا كالأصنام؟ فإنه سفه (١).
٢ ـ يوجد في القرآن الكريم آيات عدّة تثبت أنّ للأولياء حق الشفاعة بإذنه تعالى كقوله عزوجل :
(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة / ٢٥٦).
__________________
(١) تفسير الميزان : ج ١٧ ص ٢٧٠.