(وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (الأنبياء / ٢٩).
(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف / ٨٧).
والتدبّر في الآية التي استدلّ بها الوهابيون يتمخض عنه أمران :
الأول : إنّ عبارتي (لا يملكون) و (لا يعقلون) تفيدان أنّ الشفعاء الذين يملكون حقّ الشفاعة يجب أن يتصفوا بالعقل والشعور والإدراك التام ، مضافا إلى كونهم مالكين للشفاعة في حين أن الأصنام تفقد هاتين الصفتين ، إذ إن الأصنام لا تملك حقّ الشفاعة ولا هي واعية ذات شعور حتى يمكن أن تشفع لغيرها.
الثاني : إنّ الشفاعة وإن كانت أصالة ملكا لله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) وليست ملكا للأوثان الخشبية أو المعدنية أو الحجرية بل هي حق يتفرّد به الله عزوجل وقد أعطاه عبيده تبعا وبالعرض ، فبهذا لا مانع أن يكون الله «مالك الشفاعة» وأن يشفع الآخر أي العبد النبي أو الولي بسماح منه تعالى.
الدليل الثالث :
ادّعى الوهابيون أنّ المشركين إنما صاروا مشركين لطلبهم الشفاعة من الأوثان ، واستدلّوا عليه بقوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (يونس / ١٩).
وبذا يكون مطلق طلب الشفاعة من غيره تعالى شركا وعبادة للشفيع.
والجواب :
إنّ القرآن الكريم عند ما يعتبر أولئك الناس مشركين فليس لأجل طلبهم الشفاعة من الأصنام فحسب ، بل بسبب عبادتهم لها عبادة تؤدي بهم إلى الاستشفاع بها أيضا في حين أنها لا تعقل ولا تدرك ، فلهذا فإنّ أيّ نوع من الطلب المشفوع بهذه العقيدة الباطلة سيكون عبادة للشفيع في حين أن المسلمين يعتبرون الشافعين الصالحين عباد الله المقربين ، حيث إنهم بدون إذنه تعالى لا يقومون بعمل الشفاعة ، بل ليسوا بقادرين على الشفاعة من دون إذنه سبحانه (عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (الأنبياء / ٢٨).