ولكن يبقى هنالك سؤال يحتاج إلى الإجابة وهو : لِمَ اكتفى القرآن في هذه المواضع وفي مواضع مُشابهه بالمدّعى من دون ذكر دليلٍ عليه؟
وأسباب ذلك كثيرة ؛ وأوّلها : إنّ أدلّة إثبات المعاد وردت في مواضع كثيرة من القرآن المجيد وبُحثت باستمرار ، فلم يكن من الضرورة تكرارها في هذه الآية ، وثانياً : كأنّ القرآن يريد أن يوضّح هذه الحقيقة وهو أنّ الشواهد على إثبات المعاد بلغت من الوضوح حداً بحيث لم تُبقِ مجالاً للشّك أو التردد (١).
* * *
وفي الآية الثانية امِرَ النبي صلىاللهعليهوآله بأن يُقسِم مؤكِّداً على أنّ هنالك قيامةً وحشراً ونشراً حيث قال تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَّنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّئُونَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وذلِكَ عَلَى اللهِ يَسيرٌ).
نحن نعلم بأنّ القسم عادةً من الأعمال غير المحبذة ، على الأخص عندما يكون القسم بالله تعالى ، من أجل هذا نهى القرآن الناس عنه في الآية الكريمة : (وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَ يْمَانِكُمْ). (البقرة / ٢٢٤)
ولكن أحياناً وعندما يكون الأمر مهماً جدّاً فإنّ القسم لدعم ذلك الأمر لا يكون غير مستحسن فحسب بل يكون لازماً.
وفي هذه الآية ، علاوة على ذكر التأكيد في «لتبعثن» و «لتنبئُن» فإنّ الآية في آخرها تُصرِّح على أنّ هذا الأمر يسير على الله ، ولذلك فلا يجب أن ترتابوا أو تترددوا فيه(٢).
__________________
(١) يجب الانتباه إلى «اللام» في «لَيجمعنكم» للقسم ، ثم صاحبتها نون التوكيد الثقيلة ، وبعد ذلك اكِّدَت بجملة «لاريب فيه» وأخيراً اشتدّ التأكيد بجملة : «ومن أصدق من الله حديثاً». (ولكن لماذا تعدت «ليجمعنَّ» هنا بـ «إلى» ، مع أنّ القاعدة تقتضي التعدي بـ «في»؟ فإنّ المفسرين اجابوا : إنّ السبب هو أنّ كلمة «ليجمعن» أتت بمعنى «ليحشرنَّ» التي تتعدى ب «إلى» ، أو أن تكون «إلى» هنا بمعنى «في».
(٢) «زعْم» على وزن «طعم» في الأصل بمعنى الخطاب المحتمل كذبه أو المتيقّن من كذبه ، وأحياناً تأتي بمعنى الظن الكاذب أيضاً من دون أن يكون هنالك أي خطاب ، روى بعض المفسرين مثل الشيخ الطوسي في «التبيان» والقرطبي مؤلف كتاب «روح البيان» بأنّ «زعم» كناية عن الكذب.