وجملة «إنّ ذلك على الله يسير» تشير إلى أنّ كل شيء سهل ويسير على الله تعالى ، ومن الممكن أن تكون دليلاً للذين فسّروا «أهون» بمعنى «هيّن» في الآية السابقة.
على أيّة حال فإنّ جميع منكري المعاد يرون بأعينهم كيف تنبت النباتات في الأرض الميتة؟ ، وكيف يضع البشر أقدامهم في عالم الوجود؟ وكيف تورق وتثمر الأشجار من جذع يابس؟ وكيف تتكرر عملية الخلق والايجاد في هذا العالم في كل آن؟
فهل تكون هذه الاعادة لجميع الموجودات أمراً عسيراً على خالقها؟ مع أنّ الإيجاد والاعادة كلاهما واحد بالنسبة لشمول قدرته ، ووجود الشي أفضل دليلٍ على إمكانه؟
وقد بيّن سبحانه في الآية الخامسة الأخيرة لُبّ المطلب من خلال تعبير وجيز ومختصر جدّاً ، حيث قال تعالى : (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (الأعراف / ٢٩)
إنّ هذه العبارة في الحقيقة أقصر تعبير واوضح استدلال للقرآن الكريم في مجال إمكان المعاد ، فإنّه قاس إمكان الحياة الثانية على إمكان الحياة الاولى ، وهذا قياس منطقي لقضية عقلية ، أمّا اولئك الذين يعتبرون مثل هذه الآيات دليلاً على جواز القياس في الأحكام التعبدية فإنّهم قد وقعوا في خطأ فاحش ، لأنّ القياس لا يجوز إعماله إلّاإذا كان دليل الحكم الأول وعلته وحكمته واضحاً مبيناً ، ويجب أن تكون هذه العلة موجودة في الحكم الثاني أيضاً ، كما هو الحال في الآية المذكورة ، في بحث المعاد وغيرها من الامور ، لأننا نعلم بأنّ المؤثر في الخلق الأول هو القدرة الإلهيّة ، وهذا الأمر بنفسه يكون مؤثراً في الخلق المستأنف ، أمّا بالنسبة للقياس في الأحكام الفرعية التي لم تتضح عللها ولم يُصّرح عنها في ذلك الدليل فإنّه لا قيمة له ، وذلك لأنّه قياس ظنّي وتخميني لا يقيني وعقلي.
على أيّة حال فإنّ التفسير المذكور أعلاه واضح جدّاً إذا ما استعنّا بالآيات الاخرى التي وردت في هذا المجال ، ولكن العجيب تفسير بعض المفسرين من أنّ المراد من هذه الآية هو : كما بدأكم أول الأمر وخلق منكم السعداء والأشقياء والكفار والمؤمنين فإنّه سوف يعيدكم في الآخرة على تلك الحال (١).
__________________
(١) ذكر الفخر الرازي هذا التفسير واعتبره أحد الاحتمالين في تفسيير هذه الآية (تفسير الكبير ، ج ١٤ ، ص ٥٨).