الخطاب ذكره الله تعالى من أجل استئناس العباد بهذا المنظار وهذا المنطق ، لأنّ من ينجز عملاً يكون عليه إنجاز ذلك العمل في المرّة الثانية أهون ، وإن كانت جميع الأشياء متساوية بالنسبة للقادر المتعال.
واجيب تارةً أخرى : إنَ «أهون» لم تأتِ هنا بصيغة افعل التفضيل ، بل أتت بمعنى «هين» أي سهل.
وقد أتوا بتفسيرات اخرى أعرضنا عن ذكرها لعدم مناسبتها المقام.
على أيّة حال فإنّ مفهوم سهل وأسهل يصدق على الناس ، وإن كل شيء بالنسبة لقدرة الله سبحانه السر مدية متساوٍ ، ولا يوجد هنالك اسهل أو أصعب بالنسبة له تعالى.
* * *
والآية الرابعة تحمل مضمون الآية السابقة بنحو آخر ، وماهي في الحقيقة إلّاتفسير وتوضيح لما جاء في تلك الآية ، حيث قال تعالى : (اوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعُيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١).
والإتيانُ بصيغة المضارع «يبدأ» و «يعيد» من المحتمل أن يكون تأكيداً لما جاء في الآية المذكورة سابقاً من أنّ الله يُبدئ ويعيد الخلق على الدوام وبصورة مستمرّة فيتجدد العالم ويتغير ويتكرر وقوع الإيجاد والمعاد في كل آنٍ وخاصة عندما اتى بهذا التعبير : اوَلَم يروا ... الذي يشير إلى أنّ مشاهدة هذا الايجاد المستمر والاعادة المتكررة أمر ممكن لجميع الناس.
ويوجد هناك احتمالٌ أخر هو أنّ «يُعيدُ» بيان للمعاد الحاصل في يوم القيامة لا غير ، ففي هذه الحالة يكون معنى الآية بهذا النحو : أولم يروا كيف يُبدئ الله الخلق؟ فإنّ المُبدئ للخلق يمكنه أن يعيده مرّة اخرى.
__________________
(١) يجب الانتباه إلى أنّ يُبْدي (من باب الأفعال) وَيبْدأ (من الثلاثي المجرد) كلاهما لهما معنىً واحد وهو ابداء واظهار الشيء.