و «لبس» : على وزن «حَبْس» في الأصل بمعنى ستر الشيء واللباس سُمّيَ بذلك لأنّه يستر ويغطّي البدن ، أمّا الراغب فإنّه يرى أنّه يستعمل في الامور المعنوية أيضاً ، فيدلّ على ستر الحقائق ، وفي الآية المعنية جاءَ هذا المعنى ، أي أنّ أمر المعاد هو حقيقة التبست عليهم.
* * *
وفي الآية الثالثة نلاحظ تعبيراً آخر في هذا المجال ، هو إجراء المقارنة بين «مبدأ» الحياة و «المعاد» ، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِى يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ).
فسّر عدد من المفسيرين جملة «يبدأ» على أنّها تدل على الماضي ، أيْ أنّ الله تعالى بدأ الخلق ، لكن ماهو المانع من تفسير «يبدأ» بمعناه الحقيقي بما أنّه فعل مضارع؟ وبما أنّ الفعل المضارع يدل على الاستمرار فيكون معنى الآية هنا : «إنّ الله يخلق ويعيد على الدوام» أي أنّ عالم الوجود هو عبارة عن تكرار الحياة والموت واستمرار المبدأ والمعاد ، فعلى هذا الأساس لا يمكن الشك في إمكان وقوع المعاد.
فعالمنا يموت ويحيى ويخلق من جديد باستمرار ، ومن هنا تكون الإعادة إلى حياة جديدة أمراً غير مستغرب ، فيكون هذا جواباً دقيقاً وجميلاً للجاحدين.
وجملة «وهو أهون عليه» تُبين هذا المفهوم ، وهو : أنّه لايوجد في قاموس القدرة الإلهيّة المطلقة واللامحدودة أي معنى للسهل والصعب فكل شيء لديه سهل يسير ، ولا فرق بين قلع جبل من أعظم جبال العالم من مكانه وبين رفع قشة صغيرة ، وخلق منظومة شمسية وخلق ذرة من تراب ، لأنّ السهل والصعب في مقابل القدرة الإلهيّة لا معنى له ، طبعاً بالنسبة لنا أصحاب القدرة المحدودة ، فإنّ رفع حجر صغير أمر سهل أمّا رفع حجر كبير يعد من المصاعب.
فما هو المراد من قوله «أهونُ»؟ هل هناك شيء صعب عليه وآخر أهون منه مع أنّ قدرته واحدة بالنسبة لجميع الأشياء؟
وقد أجاب المفسّرون عن هذا السؤال بعدّة أجوبة فقالوا : إنّ أفضل جواب هو أنّ هذا