والجدير بالذكر أنّه ذكر النخيل الباسقات من جهة أنّها خُلقتْ ونشأتْ من تلك الأرض الميتة ، وتلك البذور الصغيرة التي نمت وأصبحت بهذه الهيئة العجيبة.
ومن ناحية اخرى أشار إلى ثمارها المتراصة التي تحملها في ارتفاع شاهق ، تلك الثمار اللذيذة المغذية «الحيوية» ، تحتوي على أنواع من المواد الضرورية التي يحتاج إليها جسم الإنسان (١).
وأخيراً نصل إلى هذه النتيجة وهي : ، إنّ الهدف من هذا أنّ الله سبحانه يهب (رزقاً للعباد) ، (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيِتاً) (٢) (كذلك الخروج).
إنّ هذه الآية تكشف عن حقيقة وهي أنَّ خروج الإنسان يوم القيامة تابع لتلك القوانين المهيمنة على النباتات والبذور والأشجار بفواكهها المتنوعة ، ذلك الأمر الذي نشاهده كل عام بأعيننا ، ولكن بما أننا اعتدنا على ذلك فإننا نعتبره أمراً عادياً ، وبما أننا لم نشاهد عودة البشر إلى الحياة بأعيننا فإنّ البعض يعتقد بأنّ ذلك امر غير معقول وأحياناً يعتقد بأنّه من المحالات ، مع أنّ النظام المهيمن على الأمرين واحد.
* * *
وفي الآية الثانية طُرحت نفس المسألة ولكنْ بتعبيرٍ آخر ، قال تعالى : (يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الحَىِّ).
إنّ الفاصلة الزمانية التي ترونها بين الحياة والموت لا تكون امراً يُعتنى به بالنسبة للذات المقدّسة الإلهيّة ، فهو على الدوام يُخرجُ الحىَّ من الميّت وبالعكس ، (يجب الانتباه إلى أن «يخرج» فعل مضارع وهو يدل على الاستمرارية ، أي أنّ هذا العمل مستمر ودائم) على هذا فإنّ منظر نهاية هذا العالم الذي هو عبارة عن خروج الموت من باطن الحياة ، وكذلك منظر
__________________
(١) «الطلع» هو اسم ثمار النخيل في بدء ظهورها ، و «نضيد» بمعنى متراكم ، ومن الغرائب هو أنّ الأشجار نادراً ما تحتوي على فواكه عنقودية الشكل والأكثر غرابه من ذلك أنّ عناقيد ثمار النخيل ثقيلة.
(٢) جاء هنا بالصفة «ميتاً» بصيغة المذكر مع أنّ الموصوف «بلدة» مؤنث والسر في ذلك هو أن «بلدة» هنا جاءت بمعنى المكان.