المعاد الذي هو عبارة عن خروج الحياة من باطن الموت امرٌ مستمر ويتكرر وقوعُه أمام أعيننا دائماً ولو على مستوىً محدود ، فما المانع من أن تموت جميع الموجودات الحيّة مرّةً واحدة ويُعاد البشر إلى حياة جديدة في يوم الحشر؟ أيْ أنْ يتحقّقَ قانونُ تبديل الموت بالحياة والحياة بالموت بصورة أوسع وأشمل ممّا عليه حالياً.
وأمّا بالنسبة لعروض الموت على الحياة فإنّه أمرٌ بديهي وواضح لدى الجميع ، ولكن بما أنّ عروض الحياة بعد الموت يخفى على البعض ويحتاج إلى شيء من التأمل فقد قال تعالى في ذيل الآية : (وَيُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوتِهَا وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ).
وجملة «كذلك تُخرجون» تشير بوضوح إلى هذه الحقيقة وهي أنّه لا يوجد هناك ايّ تفاوت بين القيامة الصغيرة التي تحدث في عالم النباتات والأرض الميتة وبين تلك القيامة الكبرى الشاملة.
وبمجرّد أن يتأمل الإنسان قليلاً في هذا الموضوع فإنّه سوف تزول عنه كل ظنونه الخاطئة والوساوس الشيطانية التي تنتابه في أمر المعاد.
* * *
إنّ في كل لحظة تمرُّ على هذا العالم الوسيع تنفلق فيها الآلافُ المؤلفة من البذور وتخرج منها براعم جديدة للحياة ، وفي كل لحظة تبدأ أرض واسعةٌ بالحياة بعد أن كانت ميتة ، إنّها سُنّة الله السرمدية والتي تُوحي بها الآية الثالثة وبعد بيان كيفية تكوّن الأمطار بعد تسيير الرياح وتراكم الغمام على بعضها ، قال تعالى : (فَانْظُرْ الَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوتِهَا) ، (إِنَّ ذَلِكَ لُمحىِ الْمَوتَى) ، نعم إنّه : (عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ).
و «آثار» : جمع «أَثَر» ، قال في «مقاييس اللغة» : إن الأَثَرَ له ثلاثةُ معانٍ ، الشي الذي له سابق ، والذكر الباقي بعد الموت ، وما بقي من رسم الشي ، لكن بعض علماء اللغة حَصَروا معنى الأثر في المعنى الثالث ، وذلك لأنّ المعنيين الأولين ناتجان عن الآثار الباقية من أجل الفضيلة وعوامل علوّ الشأن.