وقد شبّهها هنا بالفقير الذليل المسكين الذي لا يمتلك شيئاً ، ثم شبّهها بعد نزول المطر بالذي أُوتيَ مالاً كثيراً ولبس أفضل الثياب ، حيثُ يمشي بنشاط مرتفعَ الرأس مستقيماً تبدو آثار النعمة على وجهه (١).
وهناك أمرٌ آخر يمكن أن نستخلصه من هذا التعبير وهو درس من دروس الأخلاق ، فكما أنّ الأرض الخاشعة الخاضعة تشملها رحمةُ الله فتحصل على كل آثار البركات والنمو والنشاط ، فإنّ عباد الله الخاشعين والخاضعين تنالهم رحمة الله الواسعة أيضاً ، وتنمو في نفوسهم براعم العلم والإيمان والتقوى.
* * *
ووردت هذه المسألة في الآية السادسة بتعبير جديد من خلال بيان كيفية نزول المطرِ ، قال تعالى : (وَاللهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَاحْيَينَا بِهِ الْارضَ بَعْدَ مَوتِهَا) ، (كَذَلِكَ النُّشُورُ).
وهذِهِ الآية في الحقيقة من أدلة إثبات المُبدئ تعالى أيضاً ، أي إثبات الذات الإلهيّة المقدّسة ، وفي نفس الوقت تستعمل دليلاً على المعاد ، فهو يشير في البداية إلى الآيات والبراهين الدالة على وجوده تعالى عن طريق بيان النظام الدقيق المهيمن على حركة الرياح والسحاب وسقي الأرض الميتة وإحيائها ، وأخيراً يشير إلى دليلٍ حيّ وعميق المعنى لإثبات المعاد.
وجملةُ «كذلك النشور» بالإضافة إلى أنّها تشبّه إحياء الإنسان بإحياء الأرض الميّتة ، إلّا أنّها من الممكن أن تكون دليلاً على سوق الأرواح إلى الأبدان في يوم القيامة ويساق التراب المنتشر فيُجمع وتحلّ فيه الروح ، كما هو الحال في سوق الرياح للسُحُبِ وجمعها إلى بعضها كي تتلاقح وتهطل ثمارها التي هي عبارة عن قطرات المطر.
وفي الحديث الشريف أنّ أحد أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله سأله قائلاً : كيف يحيي اللهُ
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١٧ ، ص ٤١٩.