ومن الجدير بالذكر أنّ استعمال «ضلالٍ بعيد» جاء في عشر آيات في القرآن المجيد ، وكانت أغلبها خطاباً للكفّار والمشركين وجاحدي المعاد ، وهذا التعبير يبيَّن بوضوح بأنّ الضلال البعيد يختص بهذه المجموعة ، وذلك لأنّ الإيمان بالله ويوم الحساب إنّ وجِدْ يجعل وجود الضلال سطحياً ويزيد من احتمال العودة إلى طريق الحق ، بينما يقود جحد التوحيد والمعاد الإنسانَ ويجرُّه إلى آخر درجة من الضلال ويبعده عن صراط الهداية القويم إلى أدنى حد ، أو بتعبيرٍ آخر إنّ الأدلّة على معرفة الله وإثبات المعاد على حدٍ من الوضوح يجعلها تشابه الامور الحسيّة الملموسة ، والذي يصاب بالضلال في هذين الأمرين فضلاله عظيم.
* * *
وفي الآية السابعة اشير إلى مسألة «حبط الأعمال» أي أعمال الجاحدين للمعاد في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ولِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ اعْمَالُهُمْ هَلْ يُجزَونَ إِلّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
«الحبط» : في الأصل بمعنى البطلان أو التمّرض (١) ، وفي تعبير الآيات والروايات جاء بمعنى محو ثواب الأعمال بسبب إرتكاب عدد من الذنوب.
وجاء في «لسان العرب» إنّ «الحبط» هو أن ينجز الإنسان عملاً ما ثم يُبطله.
ولعلماء علم الكلام نقاشٌ في مسألةِ هل يكون «الحبط» حاكماً دائماً في تأثير المعاصي والطاعات على بعضها الآخر أم لا؟ وسوف نتعرض بالبحث مفصلاً في هذه المسألة في محلها إن شاء الله ، ولكن لا يوجد على نحو القضية الجزئية شكٌ في صحة هذه المسألة ، فإنّ بعض الامور مثل «الكفر» تكون سبباً في حبط ثواب جميع الأعمال الصالحة ، فلو مات أحدٌ على الكفر فإنّ جميع أعماله الصالحة سوف تتلاشى كنثر الرماد في ريحٍ عاصفٍ ، إنّ الآيات الآنفة الذكر تنسب هذا الاحباط لجاحدي الآيات الدالّة على إثبات الله والمعاد ، وهذا دليلٌ واضح على أهميّة المعاد في رأي القرآن المجيد.
__________________
(١) مقاييس اللغة مادة (حبط).