التي كشفت الستار عن أهميّة خلق العظام.
ولقد ثبت حديثاً بأنّ العظام لا تكون هيكلاً لحفظ استقامة البدن وحفظ أعضاء الإنسان فحسب ، بل إنّ في عهدتها أَهمَّ الوظائفِ الحياتية والبايلوجية للبدن.
فالعظام تحتوي على جميع ما يحتاجه الجسم من قبيل الفسفور والكالسيوم والاملاح الاخرى التي تنظم الأعمال الحياتية لجسم الإنسان وضربات القلب وتقويم حركة العضلات ، والأهمُّ من ذلك أنّ العظام تُقدِّم للجسم ما يحتاجه من كريات الدّم الحمر والبيض طيلة عمر الإنسان! ويكفينا أن نعلم بأنّ في الدقيقة الواحدة تموت مايقارب ١٨٠ مليون كرية حمراء وأنّ العظام تملأ الفراغ الحاصل من موت هذه الكريات بواسطة كريات جديدة ونشطة! (١).
والجدير بالذكر أنّ بعض المفسرين قالوا : ثبت حديثاً أنَّ أوّل ما يظهر في الجنين هي خلايا العظام ، ثم خلايا اللحم ، وهذه الحقيقة رفع القرآن الستار عنها قبل أربعة عشر قرناً عندما لم يكن لأحد علم بها (٢).
والتعبير بـ «الكسوة» عن اللحم هو تعبير جميل وجذّاب ، فالملابس تُجمِّل جسم الإنسان وفي نفس الوقت تحفظه من اضرار مختلفة ، والعضلات كذلك فلو عُدِمَت وبقيت العظام لوحدها فما أقبح منظرها! ومن ناحية اخرى إنّ العظام تتأثّر بأدنى ضغط يرد عليها من أىّ جانب وتصاب بعطبٍ كبير جرّاءَ ذلك ، والذي يحفظ العظام تلك الكسوة التي هي العضلات.
وهذا التعبير : (ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) الذي ورد ذكره بعد مرحلة تكامل الجنين لم يأتِ إلّا في هذه الآية من القرآن ، وهذا البيان العجيب وإن كان قد ذُكِرَ سابقاً إلّاأنّه يختلف كثيراً عن ذلك ، ذلك لأنّه سمّي هنا «خلقاً آخر» ، حيثُ يرى أكثر المفسرين أنّ هذه الجملة جاءت للدلالة على خلق الروح ، لأنّنا نعلم بأنّ الجنين من يومه الأول وحتى يبلغ ما يقارب
__________________
(١) قرآن برفراز اعصار ، ص ١٨٧.
(٢) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٦ ، ص ١٦.