الأعلى في حالته الطبيعية يتغيّر وضعه فجأة ويتدلّى رأسه إلى الأسفل ، وذلك لإعداده للولادة الطبيعية وفي نفس الوقت ترتخي عضلات الأُمِّ الموجودة في طريق الولادة وتتهيأ لوضع هذا المولود ، ثم يحصل ضغط على الجنين من جميع أنحاء الرحم كي يتيسّر عليه طريق الخروج من الرحم ، بعد ذلك يتمزّقُ فجأة الكيس المملوء بالماء الذي كان يسبح فيه الجنين أيّام الحمل العاديّة فيترطّب مسير الخروج المعدّ للمولود ، وخلاصة الكلام إنّ جميع الأمور تُعدّ وتتيسرُ له من أجل دخوله إلى دنيا جديدة.
ومن جهة اخرى أودعه الله العقل وأنواع الغرائز ، وكلّ واحد من هذه الامور يفتح أمامه طريق الحياة.
ومن ناحية اخرى أرسل إليه الرسل والكتب السماوية كي يتيسر له سبيل الطاعة وعبادة الله وطريق سعادته.
إضافة إلى ذلك دلّ هذا التعبير على أنّ الإنسان خُلِقَ مريداً ومختاراً في تصرفه ، لأنّه تعالى لم يقل وسلكناه السبيل بل قال يّسرنا له السبيل ، فهو مختارٌ في سلوكه.
* * *
وفي الآية الخامسة والأخيرة إشارة إلى مراحل تكامل الجنين أيضاً بصورٍ مفصّله ، بل جاء هنا بتفاصيل أكثر ممّا جاء في جميع الآيات التي تحدثت عن ذلك ، فتعرضت هذه المرّة إلى جزئيات دقيقة ، قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاه نُطفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ) (الرحم) (ثُمَّ خَلَقْنَا النٌّطْفَةَ عَلَقَهً) (دم متخثر) (فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً) (تَشْبَهُ اللحم الممضوغ) (فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَونَا العِظَامَ لَحْماً).
وبعد أن بيّن المراحل الخمس (النطفة والعَلَقةَ والمضغة والعظام واللحم) أشارَ إلى امرٍ آخر والذي يعتبر من أهمّ المراحل وهو مرحلة نفخ الروح الإنسانية ، فقال تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) (فَتَبَارَكَ اللهُ احْسَنُ الْخَالِقِينَ).
وجملة «فكسونا العظام لحماً» لم تُذكر ضمن مراحل تكامل الجنين إلّافي هذه الآية