قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

نفحات القرآن [ ج ٥ ]

154/388
*

والآية التي يدور بحثنا حولها تعتبر في الواقع الدليل السابع والأخير ، قال تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ (١) *ءَأَنْتُمْ أَنْشَأتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ) (٢). (الواقعة / ٧٣ ـ ٧١)

وفي تفسير معنى المراد من شجرة النار هنا ، يوجد تفسيران رئيسيّان :

الأول : إنّ المراد من شجرة النار الشجرتان المعروفتان «مَرْخ» و «عَفار» اللتان كانتا تُستخدمان لدى العرب في ايجاد القدحة ، حيث كانتا تُستخدمان بدلاً عن «الكبريت» لإشعال النار.

والثاني : إنّ المراد منها جميع الأشجار لأنّها لها قابلية توفير الحطب والوقود (٣).

وللمفسِّرين آراء في معنى المراد من «تذكرة» ، فعدد منهم يرى أنَّ المراد منها التذكّر بنار جهنم عند رؤية نار الدنيا ، ففي هذه الصورة تصلح هذه الآية لأنّ تكون دليلاً لإثبات المعاد.

والرأي الثاني هو أنّ المراد منها التذكير بأمر المعاد ، وذلك لأنّ الذي يقدر على أن يودع النار المحرقة في قلب الشجر الأخضر فإنّه لا يعجز عن ارجاع الحرارة الغريزية لبدن الأموات ، والذي يقدر على جمع الضِّدَّينِ كالماء والنار فإنّه بطريق أولى يمكنه أن يجمع بين الموت والحياة على التوالي ، أي إيجادهما الواحد بعد الآخر.

أو بتعبير آخر كيف لايتمكّن مَن يُعيد الطاقة الكامنة والضوءَ والحرارة مِن أن يهب حياة جديدة للأموات من بني الإنسان؟

والتفسير الأخير هو أكثر تناسباً مع آيات هذه السورة التي تتصدى للاجابة عن شبهات منكري المعاد طبعاً ، كما إنَّ الجمع بين هذه التفاسير ممكن أيضاً.

__________________

(١) «تورون» من مادة «ايراء» بمعنى اشعال النار ، قال الراغب في المفردات : ايراء في الأصل بمعنى الستر والتغشية ، لذا اطلق على ما في الخلف «وراء» وبما أنّ النار تكمن في الحطب أو في القدحة اطلق العرب كلمة «ورى» أو «ايراء» على اخراجها من مخبئها.

(٢) «المقوين» من مادّة «قِواء» (على وزن كِتاب) بمعنى الصحراء القاحلة ، وتطلق على المسافرين الذين يقطعون الصحارى من دون متاع أيضاً.

(٣) ورد هذان التفسيران في تفسير روح المعاني ، ج ٢٧ ، ص ١٢٩ ؛ وفي تفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ١٨٤ في ذيل الآيات مورد البحث.