والتعبير ب «متاعاً للمقوين» هو تلميح لفوائد وأهميّة النار في حياة الإنسان ذلك لأنّ المفسرين وأصحاب اللغة ذكروا معانيَ متعددة ل «المقوين» هي :
أولاً : ماذكرناه آنفاً أنّها من مادة «قواء» على وزن (كتاب) بمعنى الصحراء القاحلة ، بناءً على هذا يصبح مصداق «المقوين» هم الذين يقتحمون الصحارى القاحلة ، وهؤلاء يحتاجون بشدّة إلى الحطب والخشب الجاف لإيقاد النار ، أمّا احتياجهم لخشب القدْح فلا يخفى على أحد.
ومن البديهي أنّ الإنسان يحتاج إلى ذلك في المدن أيضاً ، ولكن بما أنّ إيقاد النار في المدن أمرٌ يسير ، لأنّ الذي يريد أن يوقد ناراً يمكنه أن يستفيد في ذلك من نار الآخرين ، بالإضافة إلى ذلك لايشكّل عدم وجود النار في المدينة خطراً جسيماً على الإنسان ، بينما تعدّ النار بالنسبة لقاطعي الصحراء أمراً مصيرياً بسبب الحاجة إلى إعداد الطعام ودفع البرد والاستنارة.
والرأي الآخر أنّ المراد من «المقوين» هم الفقراء ، وعُدّ هذا من أحد معانيها في اللغة ، ومن المحتمل أن يكون السبب في ذلك أنّ سُكّانَ الصحراء فقراء في الغالب ، وقد ذكرنا أنَّ «قواء» بمعنى الصحراء القاحلة ، وأنّ احتياج الجميع للنار امر بديهي إلّاأنّ احتياج الفقراء لها اشدّ من غيرهم ، ذلك لأنّ النار تأخذ مكان الملابس أحياناً بالنسبة لهم.
وقال البعض أيضاً : إنّ «المقوين» بمعنى «الاقوياء»! لأنّ الكلمة المذكورة من الكلمات التي لها معانٍ متضادّة ، فيحتمل أن تكون من مادّة القوة والقدرة.
ففي هذه الحالة تكون للدلالة على استخدام الاغنياء للنار بكثرة ، على الأخص في دنيانا هذا اليوم ، فإنّ الحرارة والنار كلٌّ منهما المحور الرئيسي الذي تدور عليه عجلات الصناعة والمحركات ، فإذا ما نَفَدَ الوقود الذي تعتبر الأشجار والنباتات المنبع الرئيسي له (سواء كان بصورة مباشرة كالخشب والفحم الحجري أو غير مباشرة كالبترول) فإنّ عجلات الحضارة البشريّة سوف تتوقف عن الحركة ، وتذهب الثروات أدراج الرياح ، فلا تطفأ شعلة الحضارة فحسب بل سوف تطفأ شعلة حياة جميع البشر.
* * *