وفي الآية الثانية اقسم تعالى بأمرين : (لَاأُقْسِمُ بِيَومِ الْقِيَامَةِ* وَلَا اقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).
يرى البعض أنّ «لا» تحمل معنى النفي في هذه الآية ، فيكون مفهومها هو أنني لا اقسم بهذين الأمرين ، والغرض من ذلك هو التأكيد ، كما لو نقل لأحد : أنا لا أقسم بحياتك من أجل بيان أنّ حياتك أرقى من أن ينالها قسمي.
لكن أكثر المفسرين يرى أنّ «لا» زائدة جاءت من أجل التأكيد ، فبناءً على هذا أقسم الله بـ «يوم القيامة» كما أنّه أقسم بـ «النفس اللوامة» أيضاً.
و «النفس اللوامة» : هي وجدان الإنسان وضميره الذي يلومه على ارتكاب الذنوب ، وكلمّا كانت الخطيئة أكبر كان توبيخ الضمير وعذاب الوجدان أشدّ ، وقد يقدم بعض الناس على الانتحار من أجل الخلاص من العذاب الحاصل من ارتكاب الذنوب العظيمة أو الجرائم البشعة ، وقد سمع أو رأى أكثرنا بهذا الأمر بالنسبة للقتلة الذين ارتكبوا جرائم عظيمة أو الذين اقترفوا ذنوباً كبيرة.
وذكر هذين الأمرين (يوم القيامة النفس اللوامة) مقترنين بعنوان موضوعين عظيمين وقيّمين يستحقان القسم بهما إنّما هو من أجل الدلالة على الرابطة الموجودة بينهما ... فيوم القيامة هو المحكمة الإلهيّة الكبرى و «النفس اللوامة» هي محكمة مصغرة وقيامة تستقر في أعماق روح كل إنسان ، أو بتعبير آخر كأنّ هذا التقارن يقول بلسان الحال كيف تشكّون في محكمة يوم القيامة وأنتم تشاهدون في أعماقكم نموذجاً مصغراً منه؟ إنّكم تلمسون ذلك كثيراً فعندما تعملون عملاً صالحاً تمتلئون نشاطاً وبهجة ، فهذه السكينة وارتياح الضمير هو ثواب تمنحه أيّاكم روحكم ، وعندما تقترفون ذنباً تألمون وتنهال عليكم سياط الضمير من أعماقكم ، فهذا العذاب هو عقاب تعيّنه لكم محكمة الضمير!.
فإن كانت هناك محكمة في أعماق كل واحد منكم فكيف لا توجد هناك محكمة الهية عظيمة على مستوى الكون العظيم؟!
وممّا يجلب الانتباه هو القسم بنفس يوم القيامة لإثبات يوم القيامة ، فكأنّه يقول : قسماً بيوم القيامة إنّ القيامة حق (١).
__________________
(١) يجب الالتفات إلى أنّ «ماجاء القسم من أجله» محذوف في الآية ، والدليل عليه في الجملة اللاحقة فيكون التقدير «لتبعثن يوم القيامة».