وهنا يطرح السؤال الثاني نفسه وهو : إن كان هذا القسم موجّه للمؤمنين فلا داعي له هنا ، وإن كان موجه للمنكرين فكيف يقسم بما لا يؤمنون به؟!
وللتخلص من هذه المعضلة قدّر بعض المفسرين كلمة «ربّ» وقالوا إنّ التقدير هو اقسم بربّ القيامة بأنّ القيامة واقعة (١).
واحتمل أيضاً أنّ هذا القسم جاء تأكيداً للذين يؤمنون بأصل يوم القيامة إلّاأنّهم يشككون في تفاصيلها ، فالقرآن يقسم بأصل يوم القيامة لإثبات التفاصيل التي وردت بعد القسم في الآية.
وهناك تفسير آخر يحتمل أن يكون افضل من التفسيرين السابقين ، وهو : إنّ القرآن أشار بذلك إلى أنّ الاعتقاد بيوم القيامة بلغ من البداهة حداً كبيراً حتى أنّه يُقسم به في مقابل المعاندين ، وبتعبير آخر أنّه استعان بفطرتهم على دحض آرائهم.
وأمّا بالنسبة لـ «النفس اللوامة» فللمفسرين أقوال كثيرة فيها حتى نقل أحدهم ستة تفسيرات لها ، منها : إنّها للدلالة على النفس المؤمنة التي تلوم نفسها حين التقصير.
ومنها : أنّها للدلالة على النفس الكافرة التي تلوم نفسها يوم القيامة عندما تشاهد أعمالها.
ومنها : أنّها ذات مفهوم اشمل من المؤمن والكافر.
ومنها : أنّها إشارة إلى آدم عليهالسلام بعد طرده من الجنّة.
لكنّ المناسب للمقام ووجود القسم الدال على السموّ ، والشرف للاقتران بيوم القيامة هو أنّ النفس اللوامة هي نفوس المؤمنين الذين لم يبلغوا بعد حدّ الكمال.
توضيح ذلك : إنّ النفوس الإنسانية على ثلاثة أنواع : فنوع من النفوس «مظلمة» لا ترى قيمة للقسم ولا تبدو عليها آثار السير نحو الكمال ولا التنبيه من الغفلة ولا تحمل شيئاً من آثار يوم القيامة ، فهؤلاء هم أصحاب «النفوس الأمارة» النفوس التي تأمرهم دوماً بالإساءة واقتراف الخطايا.
وهناك نفوس أخرى «نصف نورانية» تسير نحو الكمال على منهج الحق ، وهذه النفوس
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٣٠ ، ص ٢١٦.