١ ـ إذا كنّا خلقنا للفناء فما معنى حبّ البقاء؟
لا يمكن لأحد أن ينكر هذه الحقيقة وهي فراره الدائم من الموت الذي يعتبره «العدم» ، وحُبه لطول العمر ، بل حبّه للخلود.
إنّ السعي من أجل البقاء والسعي من أجل الحصول على «إكسير الشباب» والسعي للحصول على «ماء الحياة» الذي ذكرت له نماذج في طيّات كتب تاريخ البشرية ومساعي العلماء وأشعار الشعراء كلها بسبب حب البقاء عند الإنسان كما أنّ حب الإنسان لأبنائه يعتبر امتداداً لحياته وهو دليل على الحب الغريزي للبقاء أيضاً.
فلو كنّا مخلوقين من أجل الفناء فإنّ وجود هذه الغريزة لدينا يكون عبثاً ، ولا يكون في الحقيقة إلّاحباً مضراً لاهدف من وجوده ، فكيف يضيف الخالق الحكيم إلى وجودنا مثل هذا الأمر المضر الزائد : (يرجى الالتفات إلى أنّ بحث المعاد يأتي بعد إثبات بحوث التوحيد والإيمان بالذات المقدّسة الإلهيّة).
في الواقع أنّ وجود الغريزة في الإنسان يدل على وجود طريق لاشباعها وتلبية متطلّباتها ، فالعطش دليل على وجود الماء ، والجوع دليل على وجود الغذاء ، وحب الجنس الآخر دليل على وجوده ، فإن يكن الأمر كذلك فهو لا يتلائم مع حكمته تعالى.
بناءً على هذا يعتبر حبّ البقاء المغروس في فطرة الإنسان دليلاً واضحاً على الحياة الخالدة.
وللعالم المعروف المرحوم الفيض الكاشاني حديث ظريف في هذا المجال ، فقد قال : «كيف تفنى الروح الإنسانية وقد اودع في طبيعتها حبّ الوجود والبقاء بمقتضى حركته كما أنّه اودع في نفس الإنسان بغض العدم والفناء؟! بينما قد ثبت استحالة البقاء والخلود في هذا العالم ، فإن لم يكن هناك عالم آخر ينتقل إليه الإنسان فإنّ هذه المسألة الغريزية الارتكازية التي اودعها الله في فطرة الإنسان ، أي حبّ البقاء الدائم والحياة الخالدة سوف تصبح عبثاً ، والخالق الحكيم قد تنزّه عن اللغو والعبث» (١).
__________________
(١) علم اليقين ، المرحوم الفيض الكاشاني ، ج ٢ ، ص ٨٣٧.