أو على حدّ تعبير أحد العلماء المعاصرين : إن تعطّش البشر لحياة خالدة بلغ من السعة والقوة بما لا يمكن معه القبول بأنّ مثل هذه الآمال لا تتحقق.
٢ ـ إن لم يكن المعاد أمراً فطرياً فلماذا لا يزول الاعتقاد به من نفس الإنسان على مرّ العصور؟
إنّ عادات وتقاليد الشعوب في تغيير دائم ، فالثقافة بصورة عامّة تابعة للتغيير ، فلا يبقى شيء ثابت على مرّ العصور من دون أن يتأثر بمسار الزمان إلّاامور تأصلت جذورها في أعماق الفطرة.
وبناءً على هذا التوضيح فإنّ فصل المسائل الفطرية عن الامور المعتادة أمرٌ عسير ، وبتعبير آخر فإنّ كل شيء يحافظ على بقائه على مرّ التأريخ (وإن اختلفت مظاهره) يمثّل بقاؤه أفضل دليل على كونه أمراً فطرياً ، وما قلناه يصدق تماماً على مسألة اهتمام الإنسان بالحياة بعد الموت (فتأمل).
يقول علماء النفس المعاصرون : إنّ العقائد الدينية ، والتي تعتبر مسألة الاعتقاد بالمعاد واحدة منها ، رافقت الإنسان على الدوام حتى في عصور ماقبل التاريخ.
وكمثال على ذلك ننقل كلام «صاموئيل كنيغ» الذي ورد ذكره في كتاب علم الاجتماع ، قال : «العقائد الدينية لا تختصّ بعالمنا المعاصر فحسب ، بل ثبت من خلال التحقيقات التاريخية الموثّقة بأنّ المجتمع البشري القديم كانت لديه نوع من العقائد الدينية ، فالأسلاف البشرية القديمة ، أو ما يسمى بانسان (النياندرتال) كان لهم دين أيضاً لأنّهم كانوا يدفنون أمواتهم تحت التراب بصورة خاصّة ، ويدفنون معهم الآلات التي كانوا يستخدمونها في أعمالهم خلال حياتهم ، وقد أثبتوا بسلوكهم هذا بأنّ هناك عالماً آخر» (١).
إنّ التجذر العميق للعقائد الدينية لدى بني الإنسان يعد بحد ذاته دليلاً على أنّ العقائد الدينية امور فطرية.
__________________
(١) جامعة شناسى «علم الاجتماع» ، ص ١٩٢.