وفي الآية الثالثة والأخيرة أشار تعالى إلى الهدف من خلق الإنسان ، وأوضح العلاقة التي تربطه بالمعاد ، قال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْانْسَانُ انْ يُتْرَكَ سُدىً) ، ثم أشار إلى خلق الإنسان من ماءٍ مهين (النطفة) وأشار إلى مراحل تكامله في الرحم فأضاف : (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِىَ الْمَوْتَى).
وبهذا يتّضح أنّ الهدف من خلق الإنسان لا يحصل إذا جُرد من الحياة الآخرة.
فإنَّ فعل الخالق الحكيم لا يخلو من الهدف وهذا أمرٌ بديهي ، ومن البديهي أيضاً أنّ النفع الحاصل من أفعاله لايعود إليه بفائدة ، وذلك لأنّه غير محدود وغني بالذات من جميع الجهات ، إذن فلا يعود النفع إلّالعباده ، ولكن هل من الممكن أن تكون هذه الحياة القصيرة المشوبة بأنواع المصائب هي الهدف من هذا الخلق العظيم؟ كلّا طبعاً.
لذا لا يبقى أمامنا طريق إلّاالقبول بثبوت الآخرة واعتبارها هي الهدف من هذا المسير التكاملي للإنسان.
و «سُدىً» : على وزن «هُدى» ـ نقلاً عن كتاب «التحقيق» : في الأصل بمعنى التحرك العبثي الخالي عن الفكر والتدبير والبرمجة الصحيحة ، من أجل هذا اطلقوا على الجِمال التي تجول في الصحراء من دون راع «إبل سُدى» ، وقيل : إنّ «سَدى» على وزن «وَفا» وقد اطلقت على قطرات الندى التي تتساقط ليلاً ، لأنّها لا تتساقط بنظم معيّن ، واطلقوا «سدى» على ما مُدّ من خيوط القماش قبل أن تُحاك بالكامل ، لأنّه قبل الحياكة يكون مهملاً وغير مفيد.
وقصارى القول هو : إنّ الآية تقول ـ من خلال استفهام إنكاري ـ أيمكن أن يترك الإنسان مع كل هذه الاستعدادات والطاقات الفكرية والجسمية والإمكانات المختلفة بدون أن يوضع له برنامجٌ معينٌ؟ ثم تستنتج من كل ذلك مسألة حتمية التكاليف والمسؤولية ثم حتمية وجود المعاد.
* * *