الأشاعرة ومن منكري الحسن والقبح العقليين فقد أجاب : إنّ إنكار هذه المساواة من باب الفضل والاحسان الإلهي لا من باب أنّ لأحدٍ حقّاً عليه تعالى (١).
إنّ ضعف هذا الرأي لايحتاج إلى دليل فقد أمرهم القرآن بصراحة بأن يُحكِّموا العقل في هذه الموارد ثم خاطبهم بخطاب مقرون باللوم والتوبيخ في قوله : (مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)؟
أي أنّ هذا الرأي لا يليق بالإنسان العادل ، وهذا دليل واضح على إثبات حاكمية العقل والمنطق في مثل هذه الامور.
* * *
وفي الآية الثانية تابع القرآن الكريم هذا المعنى بصراحة أكثر وبصورة أوسع ، قال تعالى : (امْ نَجْعَلُ المُتَّقِيْنَ كَالْفُجَّارِ).
والملاحظة النظرية هنا هو أنّ الآية السابقة لهذه الآية وضّحت الهدف من خلق السماء والأرض وما بينهما في قوله تعالى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً). (ص / ٢٧)
إنّ خلق السماء والأرض بالحق من ناحية وعدم المساواة بين المؤمنين الصالحين والمفسدين الفجّار من ناحية اخرى يقتضي أن تكون هناك قيامة ومحكمة عادلة ، وبهذا اندمج «برهان الحكمة» وبرهان العدالة في هاتين الآيتين.
أجل إنّ من ينكر المعاد هو الذي يشك في حكمة الله وعدالته معاً ، لأنّه لا يبقى في هذه الحالة هدف يليق بخلق الدنيا ولا يبقى هناك ما يميز المطيعين من الفاسقين.
ومن الجدير بالذكر هو أنّ «المفسدين» في هذه الآية يقابلهم «المؤمنون الصالحون» وإن «الفجار» يقابلهم «المتّقون» وهذه المقابلة إشارة لطيفة إلى هذه الحقيقة وهي أنّ الإنسان إذا فقد الإيمان والعمل الصالح فإنّه سوف يكون في زمرة المفسدين شاء ذلك أم أبى ، وإذا ما فقد التقوى أي القوة الرادعة عن ارتكاب الذنوب فسيقع في زمرة الفجار.
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٣٠ ، ص ٩٢.