و «الفجّار» : من مادة «فجر» بمعنى الشق الوسيع ، وكأنّ الفجور شق لحجاب الدين والطاعة.
وقد تحدثت هذه الآية بوضوح عن حاكمية العقل وحجيّة الإدراكات العقلية في مجال الحسن والقبح ، وهي دليل واضح لإثبات أنّ العقل يدرك بعض الحسن وبعض القبح قبل أن يصل إليه حكم الشرع ، والعجيب هو أنّ الفخر الرازي ـ في هذه الآية ـ سلم بهذا الأمر ضمنياً ، بينما أنكره في الآية السابقة! (١).
وهذا يعني أنّ الإنسان إذا راجع وجدانه فسوف ترتقع عنه حجب التعصب ويعترف في قرارة نفسه بهذا الواقع.
* * *
وفي الآية الثالثة ورد نفس هذا المعنى ولكن في قالب آخر ، قال تعالى : (امْ حَسِبَ الَّذِيْنَ اجْتَرَحُوا السَّيّئَاتِ انْ نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيْاهُمْ وَمَماتُهُمْ).
إنّ هذا لا يمت إلى عدالة الله بصلة ، وصدور أمر كهذا عنه قبيح وهو محال : (سَاءَ مَا يَحْكُموُنَ) ، فهل يمكن أن يتساوى الحسن والقبح أو الطهارة والرجس أو الصالح والطالح أو المؤمن والفاسق أو الظلمات والنور ... إنّ هذا لأمر محال.
أمّا في ما هو المراد من (سواء محياهم مماتهم)؟ فقد احتمل المفسرون في تفسيرها عدّة احتمالات!
فقالوا تارة : إنّ المراد من الحياة والموت في هذه الآية هو الحياة والموت في دار الدنيا ، وذلك لأنّ الإيمان والعمل الصالح له آثار إيجابية على كيان الإنسان فهو ينير القلب وينير الفكر مضافاً إلى أنّ المؤمن ينال هداية الله ونصره وحمايته ، بينما لا يكون الأمر كذلك في حالة الكفر والعصيان ، فإنّ الكفر يخيم بظلامه على القلب والروح ويحرم الإنسان من المدد الإلهي.
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٢٦ ، ص ٢٠١.