وفي القسم الثالث يُوَجِّهُ الأنظار نحو مسألة المعاد فيقول تعالى : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ الَى يَومِ القِيَامَةِ لا رَيبَ فِيهِ).
وفي القسم الرابع يلفت النظر إلى هذه النتيجة : (الَّذِيْنَ خَسِرُوا انْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمنُونَ).
ويرى عدد من المفسرين بالنسبة إلى الرابطة التي تربط هذه الأقسام الأربعة مع بعضها بأنّ القسم الأول يختص بأمر التوحيد ، والقسم الآخر بالمعاد (أو بالنبوّة والمعاد معاً) لبيان أبعاد اصول الدين الرئيسية (١).
لكنّ المرحوم العلّامة الطباطبائي يرى بأنّ الآية بِرمّتها تختصّ ببيان أمر المعاد ، وهذا التفسير أقرب إلى الصّحّة ، ولتوضيحه نقول :
إنّ الله تعالى بيّن في القسم الأول من الآية مالكيته وحاكميته على عالم الوجود من خلال طرح سؤالٍ واحدٍ والإجابة عليه ، فهو يوضَّح ذلك الأمر بواسطة سؤالٍ ينبع جوابُهُ من صميم الفطرة والروح حتى أنّ المشركين أيضاً يخفضون جناحهم له كما لو قال الأب لولده : ألم اوفِّر لك جميع متطلبات طلب العلم والارتقاء؟ ومن دون أن ينتظر الجواب يقول : لقد فَعَلْتُ وذلك حقاً).
وبهذا يثبت أنّه لا يوجد في عالم الوجود أي شيء يمكنه الوقوف أمام إرادة الحق تعالى وأوامره.
ثم يضيف : إنّ الله القادر كتب على نفسه الرحمة ، وكيف لا يكتب ذلك على نفسه عندما يكون مصدراً للفيض الذي لا يتخَّللُهُ بخلٌ ولا ينقصه العطاء الدائم شيئاً.
فهل الرحمة إلّااعطاء النعم لمن يستحقّها ويليق بها؟ وهل هي إلّاايصال كل موجودٍ إلى كماله المطلوب وفقاً لاستعداده؟
وبعد أن أثبت هاتين المقدمتين (أيْ أنّ الله العالم منبع الرحمة من جهة ، ومن جهة اخرى لا يمكن أن يمنع فيضه ورحمته أيُّ مانع) ذكر النتيجة في الجملة الثالثة
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ١٢ ، ص ١٦٤ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ٤ ، ص ٢٣٩٢.