(لَيَجْمَعَنَّكُمْ الَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَارَيْبَ فيهِ) لأنّ الموت انْ كان نهاية الإنسان فهذا يعني أنّ الإنسان لم يصل إلى الكمال المطلوب فيبقى استعداده للحياة الخالدة من دون اشباع أو يعني عدم وصول الرحمة الإلهيّة إليه لوجود مانع ، ولكن بما أنّ المانع غير موجود وأنّ وصول رحمته أمرٌ حتمي فإنّ الوصول إلى الحياة الخالدة في الدار الآخرة ومجاورة الحق للبشر أمرٌ لا شك فيه.
ومن الطبيعي أنّ بعض الناس يفقدون استعدادهم الخاص لنيل الحياة الخالدة ويكونون في عداد الخاسرين ، لذلك نراهم لا يؤمنون بالمعاد.
بناءً على هذا فإنّ «برهان الرحمة» الذي يعتبر عصارة هذه الآية هو برهان منطقي ذو استدلال تام ، وبرهان آخر غير برهان العدالة وبرهان الحكمة ، (فتأمل).
وقد يُطرح هذا السؤال : بما أنّ القيامة تعتبر رحمةً لبعض البشر ونقمة على البعض الآخر ، فكيف يمكن التوفيق بين هذا المعنى وبين الرحمة الإلهيّة؟
والجواب عن هذا السؤال جاء في ذيل الآية تلميحاً إلى أنّ الله تعالى مَنَّ على جميع البشر باستعداد نيل الرحمة ووضع بين أيديهم السبل المعدّةَ للوصول إليه ، فلو أضاع فريق من البشر هذا العطاء على الرغم من امتلاكهم العقل وعلى الرغم من وصول تعاليم الوحي إليهم ـ فسوف يكونون السبب في خروجهم عن دائرة الرحمة ولا تنزل اللائمة إلّاعليهم!
وكل هبات الله تعالى من هذا القبيل ، ففريق يستمتعون بها وفريق يستبقون في ضياعها ويصبح هذا الأمر حاجزاً أمام وصول الفيض والرحمة الإلهيّة للفريق الآخر ، ومن الجدير بالذكر إنّ جملة ليجمعنكم ... جاءت مقرونة ب «لام القسم) و «نون التوكيد الثقيلة» معاً وبجملة «لا ريب فيه» التي تأتي جميعها للتوكيد ، فهي مؤكدة بثلاثةِ توكيدات في آنٍ واحد ، وهذا لأَجْلِ الدلالة على أنّ وقوع القيامة بالنظر إلى الرحمة الإلهيّة أمرٌ حتمي من جميع الأبعاد.
وبما أنّ ما قدّمناه من التوضيح يكفي لاثبات هذا البرهان فإننا لا نرى حاجة لذكر توضيحات أكثر في هذا المجال.
* * *