والمراد من «الإنسان» في هذه الآية هو نفس ذلك الإنسان الذي جاء الحديث عنه في بداية سورة الدهر ، ذلك الإنسان الذي انكر القيامة ، وكان يظن بانّ الله لا يقدر على جمع العظام الرميم واحيائها مرةً أخرى ، والفرق هنا ـ كما ورد في تفسير «الميزان» ـ عدم استخدام الضمير واستبداله بالاسم الظاهر (كلمة الإنسان) ، وهذا في الواقع هو من أحد أشكال اللوم والتحقير وكأنّه قال : كيف لمن حصل على مقام الإنسانية أن يسلك هذا الطريق الخاطيء (١).
أمّا استعمال صيغة المضارع في (يُريدُ ـ يفجُرَ) التي تستعمل عادة للدلالة على الاستمرارية ، فقد جاء هنا للدلالة على هذه الحقيقة وهي أنّ الإنسان انانيٌّ ويحبّ الذات على الدوام ويريد الاستمرار على المضيّ في فجوره.
و «فجور» : من مادة «فجر» بمعنى تمزُّق الشيء بشدّة ، وبما أنّ الذنب يسبب خرق حُجب التديّن لذا استخدمت هذه الكلمة في هذا المورد (٢).
وأمّا كلمة «أمام» (على وزن مقام) فهي في الأصل بمعنى الجهة الإمامية وهي تقابل «الخلف» وبتعبير آخر إنّ «أمام» بمعنى ما يقابل وجه الإنسان ، وبما أنّ الجهة المقابلة لوجه الإنسان ذات أهميّة بالغة بالنسبة له ، لذا استخدمت هذه الكلمة هنا (لأنّ مادة «أمّ» بمعنى «قصدَ»).
لكنّه من الواضح أنّ استخدام هذا التعبير هنا هو من أجل الدلالة على مستقبل العمر ، وهي ظرف مكان ـ على حدّ تعبير بعض المفسرين ـ وقد استخدمت للدلالة على ظرف الزمان من باب الكناية (٣) ، والمراد هنا في الحقيقة هو أنّ الإنسان المتصف ذاتاً بحبّ الذات ، يتّخذ من إنكار المعاد ذريعة لكسب الحرية في ارتكاب الذنوب خلال فترة حياته.
أمّا ما احتمله البعض أنّ «أمام» للدلالة على القيامة فإنّه بعيد جدّاً ؛ وذلك لأنّها لا تتلاءم مع مادة الفجور ، بالإضافة إلى أنّ هذا المعنى يقطع صلة الترابط الموجود بين الآيات.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٩٠.
(٢) مفردات الراغب مادة (فجر).
(٣) تفسير روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٢٤٥ ، وقد أخذ أيضاً بهذا المعنى صاحب الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٩٠.