الآية وَالتي يُعرض عليها آل فرعون صباحاً ومساءً هي نار البرزخ ، وذلك لأنّ ذيل الآية تحدّث عن عذابهم يوم القيامة بصورة مستقلة ، لذا فقد فسّر أغلب المفسرين هذه الآية بأنّها تشير إلى عالم البرزخ وعذاب القبر.
ومن الجدير بالالتفات هو أنَّ الآية عندما تحدّثت عن عذاب البرزخ لآل فرعون قالت : (النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِّياً) ، لكنها عندما تحدثت عن عذابهم في الآخرة قالت : (ادْخِلُوْا آلَ فِرْعَوْنَ اشَدَّ الْعَذَابِ).
ويستفاد من اختلاف هذين التعبيرين (العرض والادخال) بأنّ المراد من النار هي نفس نار البرزخ ، إلّاأنّهم في البرزخ يشاهدونها عن بُعد فيعمّ القلق والهم وجودهم ، لكنهم يشاهدونها يوم القيامة عن قرب بواسطة الدخول فيها ، فهذه العقوبات تحلّ بهم في البرزخ صباحاً ومساءً ، بينما تكون مستمرة ومن دون انقطاع في يوم القيامة.
وقد رُوِيَ عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في هذا المجال ما يؤيد هذا المعنى بكلّ وضوح ، قال صلىاللهعليهوآله : «إنَّ أَحَدَكُمْ إذا ماتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ فانْ كانَ مِنْ أهْلِ الْجَنَّةِ ، فَمِنْ الجَنَّةِ وَإنْ كانَ مِنْ أهْلِ النارِ فَمِنَ النّارِ ، يُقالُ هذا مَقْعَدُكَ حِيْنَ يَبْعَثُكَ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ» (١).
ويستفاد من هذه الروايات أنّ الأمر لا يختصّ بآل فرعون ، بل يشمل الجميع.
وهل يعذب أو ينعّم أهل البرزخ عن طريق المشاهدة لجهنم أو الجنّة فقط؟ أم يكون لهذين تأثيرٌ مادّيٌ عليهم أيضاً؟ كما لو مرّ الإنسان بالقرب من حفرة من النّار فإنّ النار تحرق وجهه ، أو إذا مرّ بالقرب من بستان عامرة خضراء فيدبّ النشاط فيه أثر نسيمها المنعش العطر ، أم يثاب أو يعاقب بكلا الوجهين؟ (الروحي والجسمي ، والمراد هنا هو الجسم المثالي طبعاً).
الاحتمال الثالث أقوى. (فتأمّل).
كما يجدر الالتفات إلى هذه المسألة أيضاً وهي أنّ ظاهر الآية يدل على أنّ آل فرعون يعرضون على النار ، لكن بعض المفسرين قالوا : إِنّ هذا كناية عن عكس ذلك الأمر ، أي أنّ
__________________
(١) رُوِيَ هذا الحديث في مجمع البيان ، ج ٧ و ٨ ، ص ٦ عن صحيح البخاري ومسلم في تفسير ذيل الآية مورد البحث.