والآية السادسة تصف وضع المجرمين يوم القيامة ، قال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الُمجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) ، ثم يضيف : (كَذلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ).
وعلى الرغم من أنّ هذه الآية لم تتحدث عن محل اللبث ، إلّاأنّ الآية اللاحقة أشارت إلى أنّ المراد من محل اللبث هو البرزخ ، لأنها تقول : (وَقَالَ الَّذِينَ اوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فىِ كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُونَ).
وهذا التعبير يشير إلى أنّ مكث هؤلاء يطول أمده إلى يوم القيامة ، ولا يصح هذا إلّافي البرزخ.
وقد انتخب هذا التفسير عدد كبير من المفسرين الكبار ، وهو أنّ الآية تشير إلى حياة البرزخ ، لكنّ البعض الآخر يرون أنّ الآية تشير إلى اللبث الحاصل في الدنيا ، الذي يراه المجرم قصيراً جدّاً كانصرام ساعة ، وادّعى بعضهم بأنّ هذه الآية تدل على هذا المطلب ، وهو ما جاء في قوله تعالى : (كَانَّهُّمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا عَشِيَّةً اوْ ضُحَاهَا)! (النازعات / ٤٦)
لكن لا يوجد في هذه الآية أيّ دليل واضح على أنّ المراد من اللبث هو اللبث في الدنيا ، بل يحتمل أيضاً دلالتها على أنّ اللبث هو في عالم البرزخ.
وإذا تجاوزنا ذلك فإنّنا لا يمكننا أن نفسّر الآية إلّابدلالتها على «البرزخ» ، وذلك بالاستناد إلى ما ذكرته الآية من أنّ يوم القيامة هو اليوم الذي ينتهي فيه اللبث.
وهنا يطرح هذا السؤال نفسه وهو : لماذا يُعدّ هؤلاء الزمان الطويل لعالم البرزخ قصيراً وقليلاً؟
ويتضح الجواب على هذا السؤال من خلال ذكر مقدمة ، وهي : عندما يُوعد الإنسان بوعد جميل وشيّق ، فإنّ نار الشوق للوصول إلى تلك اللحظة سوف تستعر في قلبه ، فتمر الساعات والدقائق عليه ببطءٍ شديد ، فتمرّ عليه الساعة كأنّها أيّام أو سنين ، وعلى العكس من ذلك عندما يتوعّد العقاب الشديد فإنّه يودّ لو تتوقف عجلات الزمان ، لكنْ تمرُّ عليه الأيّام والشهور بسرعة في نظره وكأنّها لحظات أو دقائق لا أكثر ، وهذا هو حال المجرمين يوم القيامة!