وبالرغم من أنّ العذاب الإلهي لا يتخطّاهم في عالم البرزخ ، لكن اين عذاب البرزخ من عذاب يوم القيامة؟!
ويوجد احتمال آخر أيضاً وهو أن يعتبر البرزخ كالنوم بالنسبة للبعض بعد ابتداء عذاب القبر ، ومن البديهي أن لا يعلم هؤلاء مقدار مدّة لبثهم عندما تقوم القيامة ، التي هي بمنزلة النهوض من النوم.
وبما أنّ جميع الحقائق لا تنكشف أسرارها للإنسان في البرزخ ، فلا عجب من خفاء هذه الامور عليهم ، لكنّه مِنَ الطبيعي أن تنكشف أسرار الحقائق بجلاء يوم القيامة الذي هو «يوم البروز».
* * *
وفي الآية السابعة من آيات البحث جاء ما يرد على لسان الكفار عند مثولهم بين يدي الله يوم القيامة ، قال تعالى : (قَالُوْا رَبَّنَا امَتَّنَا اثْنَتَينِ وأَحْيَيتَنَا اثْنَتَينِ فَاْعتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّنْ سَبِيلٍ).
تدل هذه الآية على وجود عالم البرزخ من جهة أنّ تصوّر إماتَتَيْنِ وإحياءَيْنِ غيرُ ممكنٍ ، إلّا إذا سلّمنا بوجود عالم البرزخ ، وهما الموت في هذه الدنيا ثم حياة البرزخ ثم الحياة في عالم الآخرة.
وهذا من أجل أنّ جميع البشر وحتّى الملائكة والجِنّ وأرواح الأموات التي هي على هيئة أجسام مثالية في عالم البرزخ يموتون جميعاً عند انتهاء هذا العالم ، أي عند نفخ الصور بمقتضى قوله تعالى : (فَصَعِقَ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَمَنْ في الأَرْضِ). (الزمر / ٦٨)
ولا يبقى حىٌّ موجوداً في ذلك اليوم سوى الله تعالى ، إذن ، هناك موت بعد حياة البرزخ أيضاً.
وأمّا حياة عالم الدنيا فهي خارجة عن المراد ، وذلك لأنّ الآية الشريفة تحدثت عن حياتين بعد الموت ، لا عن حياة الدنيا بعد الموت.