وإبطال الثانى قوله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا (١) الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ) إلى قوله : (كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) أى ليس إعطاؤهم من الإكرام ، ولا منعهم من الإهانة ، لكن جهلوا ذلك بوضعهم المال فى غير موضعه. وعلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) فإنه دلّ بقوله : (والقرآن) أنّ القرآن مقرّ للتذكر ، وأن ليس امتناع الكفّار (٢) من الإصغاء إليه أنّه ليس موضعا للذكر ، بل لتعزّزهم ومشاقّتهم. وعلى هذا (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا) أى (٣) ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد (فى (٤) القرآن) ، ولكن لجهلهم (٥). ونبّه بقوله : (بَلْ عَجِبُوا) على جهلهم ؛ لأنّ التعجّب من الشىء يقتضى الجهل بسببه. وعلى هذا قوله : (ما غَرَّكَ (٦) بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) إلى قوله : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) ، كأنه قيل : ليس هاهنا ما يقتضى أن يغرّهم به ـ تعالى ـ ولكن تكذيبهم هو الّذى حملهم على ما ارتكبوه.
والضّرب الثانى من بل هو أن يكون مبيّنا للحكم الأوّل ، وزائدا عليه بما بعد بل ، نحو قوله ـ تعالى ـ : (بَلْ قالُوا (٧) أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) فإنّه نبّه أنهم يقولون : أضغاث أحلام ، بل افتراه (يزيدون على ذلك (٨) بأن الذى أتى به مفترى افتراه ، بل يزيدون) فيدّعون أنّه كذّاب ؛ فإن الشّاعر فى القرآن عبارة عن الكاذب بالطّبع. وعلى هذا قوله :
__________________
(١) الآية ١٥ سورة الفجر
(٢) ا ، ب : «القرآن» وما أثبت عن الراغب
(٣) ا ، ب : «أن» وما أثبت عن الراغب
(٤) فى الراغب «للقرآن»
(٥) ا ، ب : «بجهلهم» وما أثبت عن الراغب
(٦) الآية ٦ سورة الانفطار
(٧) الآية ٥ سورة الأنبياء
(٨) سقط ما بين القوسين فى ا.