وحقيقة الأمر أنّ التوكّل : حال مركّب من مجموع أمور لا يتمّ حقيقة التّوكّل إلّا بها. وكلّ أشار إلى واحد من هذه الأمور ، أو اثنين أو أكثر. فأوّل ذلك معرفة الرّبّ وصفاته : من قدرته ، وكفايته ، وفيوضه ، وانتهاء الأمور إلى علمه ، وصدورها عن مشيئته ، وقدرته. وهذه المعرفة أولى (١) درجة والثّانية إثبات الأسباب والمسبّبات ، فإنّ من نفاها فتوكّله مزح (٢). وهذا عكس ما يظهر فى بادئ الرّأى : من أنّ إثبات الأسباب يقدح فى التوكّل. ولكنّ الأمر بخلافه : فإنّ نفاة الأسباب لا يستقيم لهم توكّل البتّة. فإنّ التوكّل أقوى الأسباب فى حصول المتوكّل به ؛ فهو كالدّعاء الذى جعله الله سببا فى حصول المدعوّ به.
الدّرجة الثالثة رسوخ القلب فى مقام التّوحيد ؛ فإنّه لا يستقيم توكّله حتى يصحّ توحيده.
الدرجة الرابعة اعتماد القلب على الله تعالى ، واستناده عليه ، وسكونه إليه ، بحيث لا يبقى فيه اضطراب من جهة الأسباب.
الخامسة حسن الظنّ بالله. فعلى قدر حسن ظنّك به يكون توكّلك عليه.
السّادسة استسلام القلب له ، وانجذاب دواعيه كلّها إليه.
السّابعة التفويض. وهو روح التوكّل ، ولبّه ، وحقيقته. فإذا وضع قدمه فى هذه الدّرجة انتقل منها إلى درجة الرضا وهى ثمرة التوكّل. ونستوفى الكلام عليه إن شاء الله تعالى فى محلّه من المقصد المشتمل على علم التّصوّف.
__________________
(١) كذا فى ا .. والواجب فى العربية : أول درجة. وذلك أن أفعل التفصيل اذا أضيف الى نكرة التزم فيه التذكير والافراد.
(٢) فى ا ، ب : «مدح» ولم يبن لى وجهها. واستظهرت ما أثبته أى لعب غير جد.