وأمّا الآية فقال ابن عباس والمفسّرون : هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمّد صلىاللهعليهوسلم إلّا الجنّة. وقد روى عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنه قرأ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ثمّ قال : هل تدرون ما قال ربّكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : يقول : هل جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلّا الجنّة؟!. فالحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله تعالى ومراقبته ، الجامع لخشيته ومحبّته ومعرفته والإنابة إليه والإخلاص له ولجميع مقامات الإيمان.
والإحسان يكون فى القصد بتنقيته من شوائب الحظوظ ، وتقويته بعزم لا يصحبه فتور ، وبتصفيته من الأكدار الدالّة على كدر قصده ويكون الإحسان فى الأحوال بمراعاتها وصونها غيرة عليها أن تحول ، فإنّها تمرّ مرّ السّحاب ، فإن لم يرع حقوقها حالت. ومراعاتها بدوام الوفاء ، وتجنّب الجفاء ، وبإكرام نزلها (١) ؛ فإنّه ضيف ، والضّيف إن لم يكن له نزل ارتحل. ويراعيها بسترها عن النّاس ما أمكن لئلّا يعلموا بها إلّا لحاجة أو مصلحة راجحة ، فإن فى إظهارها بدون ذلك آفات. وإظهار الحال عند الصادقين من حظوظ النفس والشيطان ، وأهل الصّدق أكتم وأستر لها من أرباب الكنوز لأموالهم ، حتى إنّ منهم من يظهر أضدادها كأصحاب (٢) الملامة. ويكون الإحسان فى الوقت ، وهو ألّا يفارق حال الشّهود ، وهذا إنّما يقدر
__________________
(١) هو ما يهيأ للضيف من الطعام.
(٢) هم فرقة من الصوفية يرون من الاخلاص الا يظهروا احوالهم الكريمة ، وأن يتعرضوا للوم الناس لهم فى سلوكهم ، افراطا فى البعد عن الرياء. ويسمون : الملامتية.