(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(١) إن قيل : حكمه تعالى حسن لمن يوقن ولمن لا يوقن فلم خصّ؟ قيل : القصد إلى ظهور حسنه والاطّلاع عليه ؛ وذلك يظهر لمن تزكّى واطّلع على حكمة الله تعالى ، دون الجهلة.
والإحسان يقال على وجهين : أحدهما الإنعام على الغير ، وقد أحسن إلى فلان. والثّانى إحسان فى فعله. وذلك إذا علم علما حسنا ، أو عمل عملا حسنا. وعلى هذا قول أمير المؤمنين علىّ رضى الله عنه : «النّاس أبناء ما يحسنون» أى منسوبون إلى ما يعملونه (٢) من الأفعال الحسنة. والإحسان أعمّ (٣) من الإنعام.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٤) فالإحسان فوق (٥) العدل. وذلك أنّ العدل هو أن يعطى ما عليه ويأخذ ما له ، والإحسان أن يعطى أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له. فالإحسان زائد عليه. فتحرّى العدل واجب ، وتحرى الإحسان ندب وتطوع ، ولذلك عظم الله ثواب أهل الإحسان ، قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٦).
والإحسان من أفضل منازل العبوديّة ؛ لأنه لبّ الإيمان وروحه وكماله. وجميع المنازل منطوية فيها. قال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)(٧) وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «الإحسان (٨) أن تعبد الله كأنّك تراه»
__________________
(١) الآية ٥٠ سورة المائدة.
(٢) ا ، وهامش ب : «يعلمونه» وفى الراغب : «يعلمون ويعملون».
(٣) وذلك أن الانعام خاص باسداء المنفعة الى الغير ، والاحسان يشمله ويشمل اتمام الافعال وغيرها.
(٤) الآية ٩٠ سورة النحل.
(٥) فى الاصلين : «قول» وما أثبت من الراغب.
(٦) الآية ١٩٥ سورة البقرة.
(٧) الآية ٦٠ سورة الرحمن.
(٨) فى البخارى فى كتاب الايمان وغيره