من هيبة الجبّار ، فصار ماء سيّالا ، ثمّ سلّط نارا على الماء ، فعلا الماء وعلاه زبد ، وارتفع منه دخان ، فخلق الله السّماوات من الدّخان ، والأرض من الزّبد ، وكانت السّماوات والأرضون متراكمة ، ففتقهما الله تعالى ، ووضع بينهما الهواء. فذلك قوله تعالى : (كانَتا (١) رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) قال الشاعر :
منها خلقنا وكانت أمّنا خلقت |
|
ونحن أبناؤها لو أننا شكر |
هى القرار فما نبغى به بدلا |
|
ما أرحم الأرض إلّا أننا كفر |
وسئل بعضهم ، وقيل : إنّ ابن آدم يعلم أنّ الدّنيا ليست بدار قرار ، فلم يطمئنّ إليها؟ فقال : لأنّه منها خلق ، فهى أمّه ، وفيها ولد فهى مهده ، وفيها نشأ فهى عشّه ، وفيها رزق فهى عيشه ، وإليها يعود فهى كفاته (٢) ، وهى ممرّ الصّالحين إلى الجنّة.
وذكر الأرض فى القرآن على أربعة عشر وجها.
الأوّل : بمعنى الجنّة : (أَنَّ الْأَرْضَ (٣) يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).
الثانى : بمعنى أرض الشّأم وبيت المقدس : (كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ (٤) مَشارِقَ الْأَرْضِ) يعنى أرض الشام.
الثالث : بمعنى المدينة النبويّة : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ (٥) واسِعَةً) (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ (٦) فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ (٧) مُراغَماً كَثِيراً).
__________________
(١) الآية ٣٠ سورة الأنبياء
(٢) الكفات : الموضع يكفت فيه الشىء أى يضم ، والأرض كفات للناس : تضمهم.
(٣) الآية ١٠٥ سورة الأنبياء
(٤) الآية ١٣٧ سورة الأعراف
(٥) الآية ٩٧ سورة النساء
(٦) الآية ٥٦ سورة العنكبوت
(٧) الآية ١٠٠ سورة النساء