والثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه ، فهذا مخطئ فى الإرادة ومصيب فى الفعل ، فهو مذموم لقصده ، غير محمود بفعله. وهذا المعنى هو الذى أراد الشاعر بقوله :
أردت مساءتى فاجتررت مسرّتى |
|
وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدرى |
وجملة الأمر [أنّ](١) من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب. وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن ، أو أراد إرادة لا تجمل : إنه أخطأ ، ولهذا يقال : أصاب الخطأ ، وأخطأ الصواب ، وأصاب الصّواب وأخطأ الخطأ. وهذه اللّفظة مشتركة كما يرى ، متردّدة بين معان يجب لمن يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها.
وقوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)(٢) فالخطيئة والسيّئة يتقاربان ، لكن الخطيئة أكثر ما يقال فيما لا يكون مقصودا إليه فى نفسه ، بل يكون القصد شيئا يولّد ذلك الفعل ، كمن يرمى صيدا فأصاب إنسانا ، أو شرب مسكرا فجنى جناية فى سكره. ثمّ السّبب سببان : سبب محظور فعله كشرب المسكر ، وما يتولّد من الخطإ عنه غير متجافى عنه ؛ [وسبب غير محظور ، كرمى الصيد. والخطأ الحاصل عنه متجافى عنه](٣). قال تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(٤) وقوله : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً)(٥) فالخطيئة (هى التى (٦) لا تكون عن قصد إلى فعله ،
__________________
(١) زيادة من الراغب
(٢) الآية ٨١ سورة البقرة.
(٣) زيادة من الراغب
(٤) الآية ٥ سورة الاحزاب.
(٥) الآية ١١٢ سورة النساء.
(٦) فى الاصلين : «هاهنا» وما أثبت من الراغب.