المدركة بالبصر ، وخصّ الخلق بالقوى والسّجايا المدركة بالبصيرة. قال تعالى : لنبيّه صلىاللهعليهوسلم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(١) قال : ابن عباس رضى الله عنهما : لعلى دين عظيم لا دين أحبّ إلىّ ولا أرضى عندى منه وهو دين الإسلام. وقال الحسن : هو أدب القرآن. وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهى عنه من نهى الله. والمعنى : إنّك لعلى الخلق الّذى آثرك الله تعالى به فى القرآن. وفى الصّحيحين (٢) أنّ هشام ابن حكيم سأل عائشة عن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقالت : كان خلقه القرآن.
واعلم أنّ الدّين كلّه خلق. فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك فى الدين ، وكذا التصوّف. قال الكتّانى (٣) : هو خلق ، فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك فى التصوّف. وقيل : حسن الخلق : بذل النّدى ، وكفّ الأذى. وقيل : فكّ (٤) الكفّ ، وكفّ (٥) الفكّ. وقيل : بذل الجميل وكفّ القبيح. وقيل : التخلى من الرذائل ، والتحلّى بالفضائل. وهو يقوم على أربعة أركان لا يتصوّر قيام ساقه إلّا عليها : الصّبر والعفّة والشّجاعة والعدل.
فالصبر يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ وإماطة الأذى والحلم والأناة والرّفق وعدم الطّيش والعجلة.
__________________
(١) الآية ٤ سورة القلم.
(٢) ورد فى الجامع الصغير عن مسند ابن حنبل ومسلم وأبى داود.
(٣) هو من رجال الرسالة ، صحب الجنيد والخراز والنورى. مات سنة ٣٢٢ ه. انظر الرسالة ٣٤ ومقالته وردت فى الاحياء فى كتاب رياضة النفس فى الجزء الثالث (حسن الخلق).
(٤) فك الكف أى اطلاق اليد بالبذل ، وكف الفك فالفك : العظم الذى ينبت عليه الاسنان ، وهما فكان أعلى وأسفل وأراد به هنا الفم ، وكف الفك منعه من الخوض فيما لا يحل.