قيل : فاحسب أنّ هاهنا مبدعين وموجدين فالله تعالى أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون ، كما قال : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ)(١). وقوله تعالى : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ)(٢) قيل : هو إشارة إلى ما يشوّهونه من الخلقة بالخصاء ونتف اللّحية وما يجرى مجراه. وقيل : معناه يغيّرون حكمه. وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ)(٣) إشارة إلى ما قدّره وقضاه. وقيل : معنى لا تبديل نهى : لا تغيّروا خلقة الله. وقوله : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ)(٤) كناية عن فروج النساء.
وكلّ موضع استعمل فيه الخلق فى وصف الكلام فالمراد به الكذب. ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن وعلى هذا قوله : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ)(٥) وقوله : (ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ)(٦).
والخلق فى معنى المخلوق. والخلق والخلق (٧) فى الأصل واحد. كالشّرب والشّرب والصّرم والصّرم ، ولكن خصّ الخلق بالهيئات والأشكال والصّور
__________________
(١) الآية ١٦ سورة الرعد وهذه الآية لا تدل على أنهم كانوا يعتقدون أن الآلهة تخلق فان مفادها الانكار عليهم ، وأن هذه الآلهة لم يصدر منها خلق حتى يشبه الأمر عليهم ويكون لهم عذر فى عبادتها.
(٢) الآية ١١٩ سورة النساء.
(٣) الآية ٣٠ سورة الروم.
(٤) الآية ١٦٦ سورة الشعراء.
(٥) الآية ١٣٧ سورة الشعراء. وأراد المؤلف قراءة (خَلق) بفتح الخاء وسكون اللام. والقراءة الاخرى (خُلُقُ) بضم الخاء واللام. والقراءة الاخيرة قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وخلف ، والاولى قراءة الباقين ، كما فى الاتحاف.
(٦) الآية ٧ سورة ص.
(٧) المشهور فى الخلق لقوى النفس وسجاياه ضم الاول والثانى. وفيه لغة ثانية ضم الأول وتسكين الثانى. وهذه اللغة هى التى يريدها المؤلف ـ تبعا للراغب ـ فى هذا المقام ليتسنى له المقابلة بالصرم والصرم. وكأن ضم الاول والثانى فى الخلق عنده فرع اللغة الاخرى