وأما ما ذكره من أنّ من تأمّل سيرتهم لم يتخالجه شك في عظم شأنهم» ، ففيه :
أولاً : إنّ سيرتهم مختلفة ، وكثير منها دال على ضعة شأنهم ، فبين فرار من زحف (١) ، ولمز في الصدقات (٢) ، وإنّهام للنبي الأمين في القسمة (٣) ، ونسبة الهجر إليه (٤) ، وعصيانه في تنفيذ جيش أسامة واللحاق به (٥) ، إلى كثير من مخالفة أوامره ونواهيه .
وثانياً : إنه لو سلّمنا استقامة سيرتهم في رضا الله تعالى أيام حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا شك أنّهم انقلبوا على أعقابهم بعده ، كما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز (٦) .
وقد اتبعوا سنن من كان قبلهم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة (٧) ، كما أخبر به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (٨) ؛ لأن بني إسرائيل بعد أن آمنوا بموسى عليهالسلام ونصروه على عدوّه ، انقلبوا بلا فصل على أعقابهم ، واتّبعوا السامري ، واستضعفوا هارون وكادوا يقتلونه .
__________________
(١) كيوم أحد وخيبر وحنين .
(٢) قوله تعالى : ( وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) سورة التوبة ٩ : ٥٨ .
(٣) عند قسمة غنائم حنين واتهامه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنه لم يعدل .
(٤) راجع ج ٤ / ٨١ وج ٧ / ١٥٤.
(٥) راجع ج ٧ / ١٥ وما بعدها .
(٦) قوله تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤ .
(٧) القُذَّة : ريش السهم ، وجمعها : قذةً وقذاذ . وحذو القذة بالقذة كما تقدر كل واحد منهن صاحبتها وتقطع ، وقيل يضرب مثلاً لشيئين يستويان ولا يتفاوتان .
أنظر : لسان العرب ١١ / ٧١ ــ ٧٢ ، تاج العروس ٥ / ٣٨٩ مادة «قذذ ».
(٨) راجع ٤ / ٢٦٩ من هذا الكتاب.