إنّها كيف تُعدّ وقد وصل إلينا منها أكثر الكثير ؟! فكيف بما لم يصل ؟! حتّى عرفنا أحوالهم ومعارفهم ، وأن الإسلام لم يغيّرهم تمام التغيير ، وهو ليس بغريب ممّن ألفوا العوائد الجاهلية ، ونشأوا على الأخلاق الردية والأعمال الوحشية .
ولو سلّم أنّها معدودةٌ ، فمثل هذه الهفوات أدلّ شيء على نقصان إيمانهم ، وزيادة جهلهم ، وجرأتهم على مقام النبوة ، فلا يمكن أن يكونوا محلاً لحسن الرأي بهم ، وأهلاً للثناء عليهم بالفضل والصلاح ، بل يكونون من أقرب الناس إلى الخلاف والارتداد على أدبارهم القهقرى ، خصوصاً بعد مفارقة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم ، وانتقاله إلى عالم الكرامة ، كما خاطبهم سبحانه بذلك بقوله : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ ... ) (١) .
ثمّ إنّ هذا الحديث قد رواه مسلم في باب فتح مكة من كتاب الجهاد (٢)
وأما ما فهمه الفضل من كلام المصنف رحمهالله من إرادة بني تيم من قوم عائشة : فجهل ظاهر ؛ إذ لم يُرِدْ المصنف رحمهالله بهم إلا قريشاً ، ولا ينافيه قوله : وهم من أعيان المهاجرين والصحابة ، فإن قريشاً بعض من كل منهما ، لا جميعهما .
وكيف يفهم المصنف رحمهالله من قوم عائشة بني تيم ، ويحكم بأنهم من الأعيان ، وهو يعرف منازلهم ، ولا حاجة له إلى تكلّف دعوى إرادتهم ، فإنّها أخفٌ طعناً في الصحابة من إرادة مطلق قريش التي يقتضيها ظاهر الحديث ؟ !
__________________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤
(٢) صحیح مسلم ٥ / ١٧٠ ــ ١٧٢.