فلينظر العاقل إلى ما تضمنه هذا الحديث من سوء أدب الجماعة في حق نبيهم ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ... ) (١) الآية .
ثم إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أراد إرشادهم ، وحصول الإلفة بينهم بحيث لا تقع بينهم العداوة والبغضاء ، منعه عمر عن ذلك وصدّه عنه ، ومع هذا لم يقتصر على مخالفته حتى شتمه ، وقال : إنّه يهذي ، والله يقول : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٢)
وبالخصوص مثل هذا الكتاب النافي للضلال ، وكيف يحسن مع عظمة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمر الله تعالى الخلق بتوقيره وتعظيمه ، وإطاعته في أوامره ونواهيه ، أن يقول له بعض أتباعه : إنّه يهذي ، مقابلاً في وجهه بذلك ؟ !
وفي الجمع بين الصحيحين من مسند جابر بن عبد الله قال : «دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند موته ، فأراد أن يكتب لهم كتاباً لا يضلّون بعده أبداً ، فكثر اللغط ، وتكلّم عمر ، فرفضها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (٣) .
وكيف يسوغ لعمر منع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتبه ما يهتدون به إلى يوم القيامة ؟ !
فإن كان هذا الحديث صحيحاً عن عمر وجب ترك القبول منه ، وإلا
__________________
صحيح البخاري ١ / ٦٦ ذيل ح ٥٥ و ٤ / ١٦٢ ح ٢٥١ و ص ٢١١ ــ ٢١٢ ح ١٠ و ٦ / ٢٩ ح ٤٢٢ و ٤٢٣ و ٧ / ٢١٩ ح ٣٠ و ٩ / ٢٠٠ ح ١٣٤ ، وراجع ٤ / ٩٢ من هذاالكتاب.
(١) الحجرات ٤٩ : ٢ .
(٢) النجم ٥٣ : ٣ .
(٣) الجمع بين الصحيحين ٢ / ٤٠٨ ذيل ح ١٧٠٢ .