كان الظنّ حقيقياً أم مجازياً باعتبار ما يقتضي كذب المؤمنين في إيمانهم من طول البلاء عليهم ، وتأخر النصر عنهم ، هذا كله على تقدير قراءة كذبوا بالتخفيف.
وأما على قراءتها بالتشديد فالأمر أوضح ، لأن المعنى حينئذ : حتى إذا استيأس الرسل ممن لم يؤمن بهم ، وظنّوا أن من آمن بهم كذبهم في إخبارهم له بالنصر ، جاءهم نصرنا .
روى البخاري في كتاب بدأ الخلق (١) «أنّ عروة سأل عائشة : أرأيت قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ) ، أو كذبوا (٢) .
قالت : بل كذبهم قومهم .
فقلتُ : والله ، لقد استيقنوا أنّ قومهم كذبوهم وماهو بالظنّ ، فلعلها ، او کذبوا.
قالت : معاذ الله ! لم تكن الرُّسل تظنّ بربها.
قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم ، وطال عليهم البلاء ، واستأخر عنهم النصر ، حتى إذا استيأس الرُّسُلُ ممّن كذبهم من قومهم ، وظنوا أن أتباعهم كذبوهم ، جاءهم نصرنا (٣) .
وروى البخاري نحوه في كتاب التفسير (٤) .
ولو أعرضنا عن ذلك ، فالآية إنما تكون عذراً لعمر في شكه ، لا في
__________________
(١) في باب قول الله تعالى ( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ) . منه قدسسره .
(٢) بالتخفيف والبناء للمجهول . منه قدسسره .
(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٩٦ ح١٩٢.
(٤) في آخر تفسير سورة يوسف . منه قدسسره .صحيح البخاري ٦ / ١٤٧ ح ٢١٥ ، وفيه اختلاف في بعض الفاظه.