لغناه ــ كان تكليفه لنا وإلحاقه المشقة بنا خارجاً عن جزاء نعمه ، فكأنه تعالى كلّفنا ولم يسبق له حق علينا ، فلا بد أن نستحق بما كلّفنا به جزاء ، وإلا قبح تكليفه لنا وإدخاله المشقة علينا .
وهو مع ذلك يزيدنا من فضله ، فما يسديه إلينا بعضه عدل ، لأنه جزاء ، عملنا وبعضه فضل ، بل كلّه فضل ؛ لأنّ تكليفه لنا بأمر نستحق ، بالطاعة فيه الجزاء ، لطف منه وفضل ، فما أظهره الخصم من استلزام قولنا إنكار التفضّل من الله عزّ وجلّ كذب ظاهر .
ومجرد وجوب شكر النعم ــ عقلاً ــ بطاعته وعبادته لا ينافي استحقاق الأجر من حيث التكليف منه .
وأما قوله : «هذا دليل على أن خلق الأعمال لا يوجب العذر ...» إلى آخره .
فمن العجائب ، ومكابرة العقل والضرورة ؛ لأنّ خلق العمل في العبد قهراً عليه إذا لم يكن صالحاً للعذر له ، فكيف يمكنه أن يعتذر بإضلال السادات والكبراء والشياطين له ؟! والحال أن إضلالهم له ليس بفعلهم وتأثيرهم ، فيترك الإنسان ــ وهو أكثر شيء جدلاً ــ العذر القوي الواضح ، ويعتذر بالعذر الضعيف الساقط .
وكيف يتصوّر أن يطلبوا الرجوع لأن يعملوا صالحاً ويقولون : إن عدنا فإنا ظالمون ، وهم يعلمون أنّه لا أثر لهم في العودة ، كما في السابق ؟ ! أو كيف يتحسّرون على تفريطهم وهم يعرفون أن الأثر لغيرهم؟!
***