ذلك عليه ، ولا يجوز أن يقال : إنّ الصحابة ارتدت بعد نبيها صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخالفت أمره (١) .
وأقول : هذا من غرائب الكلام ؛ فإنّ الحديث لا يدلُّ على علم الأمة أو الصحابة جميعاً بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى يكون مارواه الخطيب أقرب إلى العقل .
ولو فرض علم جميع الصحابة ، ففي وقت سلطان معاوية لم يبق منهم إلا الأقلّون ، وهم أضعف من أن ينكروا على معاوية أو يقتلوه ؛ لأنّه قد ملكهم وغيرهم برعاع الشام قسراً ، ونزا على منبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قهراً ، ولذا استلحق زياداً من دون مبالاة بهم وبغيرهم ، وبالشريعة الأحمدية .
وإنّما أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بقتله مع علمه بضعفهم ، وعدم عملهم ، كما صرّحت به بعض الأخبار (٢) ؛ لأن غرضه صلىاللهعليهوآلهوسلم الإعلام بأن معاوية مستحق القتل ، مهدور الدّم .
ولو سلّم ما ادعاه ابن عدي ؛ من أنّ ما رواه الخطيب أقرب إلى العقل ، للجهة التي ذكرها ؛ فهو أبعد عن العقل من جهة أخرى ؛ وهي قوله فيه : فإنّه أمين مأمونٌ ؛ لأنّ المراد أنّه أمين مأمون على دين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمته.
ومعاوية ليس كذلك بالضرورة ؛ لسفكه الدماء بغير حقها ، واستلحاقه زياداً ؛ وشربه الخمر ، وإتيانه سائر المنكرات المنافية للأمان على الدين
__________________
(١) اللآلي المصنوعة ١ / ٣٨٩.
(٢) انظر : وقعة صفين : ٢١٦ ، الكامل ــ لابن عدي ــ ٥ / ٢٠٠ ، شرح نهج البلاغة ٤ / ٣٢.