وبالجملة مع جميع ما ذكرنا وأضعاف ذلك بحيث لا يخفى على من له أدين فطنة كيف كان الأئمّة عليهمالسلام يأمرونهم بمضمون رواياتك ويؤكّدون ويشدّدون ويبالغون ويهدّدون ، مع ما عرفت من المفاسد اليقينة والمخالفة للتقيّة الجزمية؟
مع أنّهم صلوات الله عليهم كانوا يأمرون الشيعة بإخفاء أنفسهم عن نسائهم من العامّة وجيرانهم منهم بحيث يتعقدون أنّهم من أهل السنّة ، ويبالغون في هذا المعنى نهاية المبالغة ، وكانوا يوقعون بينهم الاختلاف بهذه الجهة ويأمرونهم بترك الواجبات وفعل المحرّمات وأباحوا لهم جميع ذلك ، بل أوجبوا عليهم سوى الدماء لأجل التقيّة ، إلى غير ذلك ممّا يدل على سبيل اليقين على أنّهم عليهالسلام ما كانوا يأمرون الشيعة بشيء عسى أن يؤول إلى خلاف التقيّة ، فيما ظنّك بمضمون تلك الروايات؟
مع أنّ الشيعة أيضا ما كانوا يفعلون ـ كما يظهر من الأخبار ـ وكانوا يتركون مع كونهم هم الرواية لتلك الأخبار ، وربما كان بعض الأئمّة عليهمالسلام يرغّب جمعا منهم بفعل الجمعة بأن يقول : « أحبّ للرجل أن لا يخرج من الدنيا إلاّ ويتمتّع ولو مرّة ، ويصلّي الجمعة جماعة ، ولو مرّة » (١) وأمثال هذه العبارة الظاهرة في غاية الظهور في الاستحباب ، لا على حسب مضمون رواياتك.
ومعلوم يقينا أنّهم ما يريدون إلاّ بحيث لا ينافي التقيّة ، وما ينافي ذلك إلاّ بأن يفعل جماعة من أوليي أحلام الشيعة ، الحاذقين في أمر التقيّة المتحفّظين خلافه ، لا بأن يفعلوا في خبايا بعض البيوت الخفيّة البعيدة عن
__________________
(١) الوسائل ٢١ : ١٤ أبواب المتعة ب ٢ ح ٧ ، بتفاوت.