مع أنّه لا طريق إلى الفهم لك سوى ما نقلوا وذكروا.
وثالثا : أيّ فائدة في استدلالك وقد عرفت أنّه لا تأمّل لأحد في وجوب الجمعة عينيا على الكافرين أيضا مع اجتماع جميع الشرائط ، إنّما تأمّلهم في ما ذكرت من أنّهم كانوا يعرفون ، فمن أين كانوا يعرفون على وفق مرادك ، وما كانوا يعرفون على ما عليه الفقهاء؟ بل الثاني أولى ، كما عرفت.
فإن قلت : الوارد في تلك الروايات ليس إلاّ وجوبها على كل أحد ، وكون شيء شرطا يحتاج إلى الثبوت ، فما ثبت نقول به.
قلت ، إن أراد الوجوب من غير اشتراط شيء فقد عرفت فساده ، وإن أراد الوجوب بشرطه وشروطه ، فقد عرفت ، الحال ، وإن أراد القدر المشترك بينهما ، ففيه : أنّه أيضا ليس محلّ النزاع ، لأنّ الخاصّ إذا لم يكن محلّ نزاع أحد فالعامّ بطريق أولى ، ومع ذلك العامّ لا يدل على الخاصّ ، فأيّ فائدة في استدلالك؟
فإن قلت : لعله يثبت مطلوبه بضميمة الأصل.
ففيه : أنّه إذا كان الأصل حجّة ونافعا فهو دليل مستقل لا حاجة إلى الآيات والأخبار أصلا ، مع ما عرفت من أنّ الوجوب بشرط ولا بشرط ليس محلّ نزاع أحد ، والكلام في دلالة الآية والأخبار ، والأصل لو كان دليله فهو دليل واحد ليس إلاّ ، مع ذلك ما أشار إليه المستدل أصلا ، وما ذكروا لا طائل تحته ، لأنّ الضروري لا يتوقّف على الدليل ، فضلا عن كون الدليل ظنّيا.
ومع ذلك ستعرف أنّ الأصل لا ينفعه أصلا ، بل إن كان المراد أصل البراءة فهو ينفع المخيّر ، وإن كان أصل العدم فينفع المحرّم لا غير.