بالأهمّ في بعض الموارد لا يستلزم رفع اليد عنه في سائر الموارد ، فإنّا نجد بوجداننا في كثير من الموارد أنّ المولى يأمر بالمهمّ مولويّاً مع بقاء أمره بالأهمّ على قوّته بتصريحه بذلك ، فيقول مثلاً : « اطعم الفقير بهذا الطعام » ويؤكّد على ذلك بمرّات فإذا شاهد عصيان العبد يقول : « الآن أيضاً.
أقول : اطعم الفقير بهذا الطعام وإن كنت لا تطعمه فكله بنفسك ولا تسرف » أو يأمر الوالد ولده ويقول : « صلّ جماعة ثمّ يقول : صلّ جماعة وإن لم تصلّ جماعة فصلّ فرادى » إلى غير ذلك من الأوامر المتداولة بين الموالي والعبيد أو بين الوالد وولده أو بين الأمير وعسكره أو بين الرؤساء والمرؤوسين.
نعم هذا كلّه بالنسبة إلى مقام الثبوت ( أي بالنسبة إلى عدم المضادّة بين الأمر بالأهمّ والمهمّ في مقام الواقع ).
أمّا مقام الإثبات فيمكن أن يقال : إنّ كلّ واحد من الخطابين اللّذين تعلّقا بالأهمّ والمهمّ مطلق ، ولا دليل على تقييد الأمر بالمهمّ بعصيان الأهمّ.
ولكن إذا كان إطلاق كلا الخطابين مستلزماً لطلب المحال في مقام الامتثال ولم يكن إشكال في مقام الثبوت في الأمر الترتّبي بحكم العقل يلزم تقييد أحد الخطابين بمقدار يوجب ارتفاع الاستحالة فحسب ، فإنّ الضرورات تتقدّر بقدرها ، وحينئذٍ نقول : لا معنى لتقييد الأهمّ بترك المهمّ لمكان أهمّيته فيتعيّن تقييد المهمّ بعصيان الأهمّ وهو المطلوب.
ثمّ إنّ المحقّق النائيني رحمهالله قد فصّل الكلام وأطاله بشرح وبسط ، وذكر مقدّمات خمس ، وهي كما يلي :
المقدمة الاولى : في بيان أمرين :
أحدهما : أنّ الفعلين المتضادّين إذا كان التكليف بكلّ منهما أو بخصوص أحدهما مشروطاً بعدم الإتيان بمتعلّق الآخر فلا محالة يكون التكليفان المتعلّقان بهما طوليين لا عرضيين ، وبعبارة واضحة : لا يلزم من الطلبين كذلك طلب الجمع بين الضدّين.
ثانيهما : أنّه في فرض عدم قدرة المكلّف على امتثال التكليفين الموجب لوقوع التزاحم بينهما وإن كان لا بدّ من رفع اليد عمّا به يرتفع التزاحم لاستحالة التكليف بغير المقدور عقلاً إلاّ أنّه لا مناصّ حينئذٍ من الاقتصار على ما يرتفع به التزاحم المزبور : وأمّا الزائد عليه فيستحيل سقوطه فإنّه بلا موجب.