ونحن نظنّ أنّ هذا هو مراد القائلين بتضادّ الأحكام الخمسة كما يشهد بذلك تعبيرهم بأنّ الأحكام متضادّة في مقام الفعليّة ، والحاصل أنّها وإن لم تكن متضادّة بنفسها ولكن تترتّب عليها آثار التضادّ ، ومن هنا يعلم وجه الإشكال في كلام سيّدنا الاستاذ المحقّق البروجردي رحمهالله ، وسيأتي الإشكال في ما أورده على المقدّمة الثانيّة عند توضيح المذهب المختار.
ثمّ إنّ المحقّق النائيني رحمهالله قال في ذيل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله بعد إيراده على المقدّمة الثالثة ما نصّه : « القول بالامتناع يبتني على كون الجهتين اللتين لا بدّ منهما في صدق المفهومين على المجمع تعليليتين ليكون التركيب اتّحاديّاً فيستحيل الاجتماع ، كما أنّ القول بالجواز يبتني على كون الجهتين تقييديتين والتركيب انضمامياً فإنّه على ذلك لا يلزم محذور اجتماع الضدّين في شيء واحد ... ( إلى أن أثبت ) كون التركيب في المجمع انضمامياً لا اتّحاديّاً ، وعليه فلا مانع من كون أحدهما مأموراً به والآخر منهياً عنه إذ المستحيل إنّما هو توارد الأمر والنهي على محلّ واحد ، وبعد إثبات أنّ التركيب انضمامي يكون متعلّق أحدهما غير متعلّق الآخر لا محالة ، فيكون أحدهما متّصفاً بالوجوب محضاً والآخر متّصفاً بالحرمة كذلك ... ( إلى أن قال : ) ولا يفرق فيما ذكرناه من كون التركيب انضمامياً بين القول بأنّ المطلوب في الصّلاة هي الهيئة الخاصّة من الركوع والسجود والقيام لتكون المقدّمات من الهوي والنهوض خارجة عن حيّز الطلب والقول بأنّ المطلوب هي الأفعال الخاصّة إمّا مطلقاً أو بعضها كالركوع والسجود ليكون الهوي إليهما مقدّماً للمأمور به ، وذلك لأنّ المأمور به على كلا التقديرين من مقولة الوضع وأمّا الغصب فهو من مقولة الأين ، ويستحيل اتّحاد المقولتين في الخارج ، فلا مناص عن كون التركيب بينهما في محلّ الاجتماع انضمامياً » (١).
أقول : في كلامه أيضاً مواقع للنظر.
الموقع الأوّل : أنّه خارج عن محلّ النزاع لأنّ النزاع في عنوانين صادقين على محلّ واحد ، مع أنّ لازم كلامه إمّا عدم إمكان صدق العنوانين على موضوع واحد في الخارج ، أو أنّ ما يتصوّر واحداً يكون في الواقع متعدّداً وبه لا تحلّ المسألة الاصوليّة بل إنّما يرتفع الإشكال في
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٥٢ ـ ٣٥٥.