هيئة « زيد قائم » ونحتاج في بيان كيفية السير من حيث الابتداء والانتهاء في قولك « سرت من البصرة إلى الكوفة » أيضاً إلى كلمتي « من » و « إلى » ، هذا ملخّص الكلام في بيان الأقوال الخمسة في المقام.
أقول : أمّا القول الأوّل : فالأحسن في مقام الجواب عنه أن يقال : إنّه مخالف لما يتبادر من الحروف إلى الذهن عند استعمالها ، وقياسه بالاعراب قياس مع الفارق ، لأنّه يتبادر من كلمة « في » مثلاً في جملة « زيد في الدار » معنى خاصّ ، والحال أنّه لا يتبادر شيء من علامة الرفع في « زيدٌ » في تلك الجملة.
أمّا القول الثاني : فغاية ما يقال في توضيحه : أنّ خصوصيّة كلّ واحد من الاسم والحرف نشأت من جانب الاستعمال لا الوضع ، لأنّه إن كان الموضوع له خاصّاً فلا يخلو من أحد الأمرين ، إمّا أن يكون المراد الخاصّ الجزئي الخارجي فإنّه خلاف الوجدان ، لأنّ في نحو « في الدار » لا يكون المصداق واحداً جزئيّاً بل إنّه كلّي لشموله لكل موضع من الدار ، وإمّا أن يكون المراد جزئيّاً ذهنياً فيستلزم كون الموضوع له معنىً مقيّداً بوجوده في الذهن ، لأنّ لحاظ المعنى قيد له وهو باطل لوجوه :
أحدها : لزوم تعدّد اللحاظين حين الوضع ، لأنّ الوضع حينئذٍ يلاحظ المعنى الملحوظ في الذهن وهو خلاف الوجدان.
ثانيها : لزوم عدم إمكان انطباق المعنى الحرفي على الخارج لأنّه مقيّد بكونه في الذهن.
ثالثها : لزوم كون الموضوع له في جميع الأسماء حتّى في أسماء الأجناس خاصّاً لأنّه إذا كان « كونه ملحوظاً في غيره » جزءً لمعنى الحرف ، يكون « اللحاظ في نفسه » أيضاً جزءً للمعنى الاسمي لأنّ المفروض كونهما موضوعين على منهاج واحد ، فيكون معنى الاسم جزئيّاً حقيقيّاً ذهنيّاً أيضاً ، وهو خلاف ما هو المتّفق عليه في أسماء الأجناس من كون الموضوع له فيها عامّاً.
فثبت ممّا ذكرنا أنّ هذا القيد إنّما يكون عند الاستعمال لا في الموضوع له.
إن قلت : فلا فرق حينئذٍ بين الاسم والحرف ، وهو يستلزم إمكان استعمال أحدهما موضع الآخر.
قلنا : الفرق بينهما منحصر في غاية الوضع ، فوضع الاسم لأن يراد في نفسه ، ووضع الحرف لأن يراد في غيره ، وهي تمنع عن استعمال أحدهما موضع الآخر ( انتهى ).